موقف القرآن من سجود الملائكة لآدم عليهم السلام
(0)    
المرتبة: 155,920
تاريخ النشر: 01/01/2022
الناشر: دار المقتبس
نبذة نيل وفرات:إن قصة سجود الملائكة لآدم عليه السلام جاء ذكرها في سبعة مواضع من كتاب الله تعالى: 1- سورة البقرة، 2- سورة الأعراف، 3- سورة الحجر، 4-سوة الإسراء، 5- سورة الكهف، 6- سورة طه، 7- وفي سورة (ص).
ولعلّ ذكر هذه القصة - في غير موضع من كتاب الله تعالى - ...تسلية التبي صلى الله عليه وسلم، وتهوين ما هو فيه من البلايا والمحن بسبب عناد قومه، وتعنّتهم وصدهم عن دين الله، فكأنه تعالى يقول لنبيّه: لا تستعظم ما أنت فيه من أجل الدعوة والتبليغ، فهذا آدم أمر البشر، وأوّل الأنبياء عليهم السلام، قد ابُتلي بشرّ البلايا، وامُتُحِنَ بأقسى المحن، اختصم في شأنه الملأ الأعلى، وامتُحِنَ بأقسى المحن، اختصم في شأنه الملأ الأعلى، فقالت الملائكة - وقد أراد الله خلقه (ليكونوا) خليفة: ﴿ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾... [سورة البقرة: الآية 30]؛ وقال ابليس - بعد أن امتنع عن السجود له - : ﴿ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ﴾... [سورة الأعراف: الآية 12]، وقال: ﴿ قَالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ ﴾... [سورة الحجر: الآية 33]، وقال: ﴿قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً﴾... [سورة الإسراء: الآية 61]، ﴿قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلاً﴾...[سورة الإسراء: الآية 62].
كان هذا، وكان أن أيّده الله تعالى فعلّمه وأظهر فضله، فخرّوا له سُجّداً إلا من غلبت عليه الشقوة، وكان من المنظرين، ويمكن القول أن المقصد من هذا هو تسلية النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا ما يحسّ به المتابع والتالي لقرآن الله تعالى بشكل قوي، وعند تصفح أساليب الكتاب العزيز، فيما قصّه من قَصص الأولين في غير موضع، واسمع أيضاً في قوله تعالى من سورة هود، وقد قصّى أمر نوح عليه السلام مع قومه، وأمر قومه معه: ﴿ تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ ﴾... [سورة هود: الآية 49]، ثم قرأ قوله تعالى في السورة عينها، بعد أن ساق قصة عادٍ وثمود، وقوم لوط، وأصحاب مدين، ومن كذّب موسى: ﴿ ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ ﴾ * ﴿ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمْ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ ﴾ * ﴿ وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ ﴾ * ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ ﴾.... [سورة هود: الآية 100 - 103]، ثم قرأ في آخر السورة قوله تعالى: ﴿ وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾... [سورة هود: الآية 120].
وقوله في سورة يوسف عليه السلام بعد أن نبأنا بحديثه عن عين رؤياه، إلى أن رفع أبويه على العر، وخرّوا له سُجّداً: ﴿ ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ ﴾... [سورة يوسف: الآية 102]، ثم في قوله في آخرها ﴿ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُوْلِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾... [سورة يوسف: الآية 111]، ثم قرأ قوله تعالى من سورة (طه)، وقد اصطنع موسى لنفسه، وأعطاه سؤله، وأراه من آياته الكبرى، ثم قصّ علينا قصصه مع فرعون وقومه، حتى غشيهم من اليم ما غشيهم، ثم أحرق الهه، ونسفه في اليمّ نسفاً.
اقرأ بعد كلّ هذا قوله تعالى: ﴿ كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آَتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْراً﴾... [سورة طه: الآية 99] بهذا وأمثاله من القصص القرآني الذي يقصّ قصص الأولين، ثبّت الله فؤاد نبيّه محمد صلى الله عليه وسلم، وقوّى عزمه، ورفع صحبّة حجّة حتى أظهر دينه، وأعلى حكمه: ﴿ وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾... [سورة هود: الآية 120]؛ وأيضاً ليكون هذا القصص موعظةً للمؤمنين.
وبالعودة، فإن السور السبع التي أورد الله تعالى فيها خصومة الملأ الأعلى في شأن آدم عليه السلام، منها ما هو مكيّ، وهي (الأعراف، والحجر، والأسراء، والكهف، وطه، و"ص")، ومنها ما هو مدني.
وبالمقارنة بين أجزاء القصة في مواضعها السبع يتبين أن كل موضع قد قام بنوع من البيان، والإعتماد في الكشف عن معالم التنزيل فيها على المكيّ منها وخصوصاً ما جاء منها في (الأعراف والحجر والإسراء وص).
وهذا هو مدار البحث في هذه الدراسة القرآنية، وصولاً إلى بيان موقف القرآن الكريم من سجود الملائكة لآدم عليهم السلام. إقرأ المزيد