تاريخ النشر: 11/05/2021
الناشر: مداد للثقافة والإعلام
نبذة نيل وفرات:المثل قسم من الحكم، يرد في واقعة لمناسبة اقتضت وروده فيها، ثم يتداولها الناس في غير واحد من الوقائع التي تشابهها دون أدنى تغيير لما فيه من وجازة وغرابة ودقة في التصوير.
فالكلمة الحكيمة على قسمين: سائر منتشر بين الناس، ودارج على الألسن فهو المثل، وإلا نهي كلمة حكيمة لها ...قيمها الخاصة وإن لم تكن سائرة.
هذا وقد ضرب الله ورسوله الأمثال للناس لتقريب المراد وتفهيم المعنى وإيصاله إلى ذهن السامع، وإحضاره في نفس بصورة المثال الذي مثّل به، فقد يكون أقرب إلى تعقّله وفهمه وضبطه واستحضاره له باستحضار نظيره، فإن النفس تأنس بالنظائر والأشباه وتنفر من الغربة والوحدة وعدم التنظير.
ففي الأمثال من تأنس النفس وسرعة قبولها لما ضرب لها مثله من الحق أم لا يجحده أحد ولا ينكره، وكلما ظهرت الأمثال ازداد المعنى ظهوراً ووضوحاً، فالأمثال شواهد المعنى المراد، وهي خاصية العقل ولبّه وثمره.
وقد دلّت غير واحدة من الآيات القرآنية على أن القرآن الكريم مشتمل على الأمثال، وأنه سبحانه ضرب بها مثلاً للناس للتفكير والعبرة، قال سبحانه: (لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله... وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون)... [سورة الحشر: الآية ٢١].
إلى غير ذلك من الآيات التي تدل على وجود الأمثال في القرآن الكريم، وأن الروح الأمين نزل فيها، وكان مثلاً حين النزول على قلب سيد المرسلين... وهذا المستفاد من الآيات.
ومن جانب آخر، إن المثل عبارة عن كلام ألغي في واقعة لمناسبة اقتضت إلقاء ذاك الكلام، ثم تداولت عبر الزمان في الوقائع التي هي على غرارها، كما هو الحال في عامة الأمثال العالمية...
وعلى هذا، فالمثل بهذا المعنى غير موجود في القرآن الكريم، ومقام الأمثال هو تداولها على الألسن وسريانها بين الشعوب، وهذه الميزة غير متوفرة في الآيات القرآنية... كيف وقد أسماه سبحانه مثلاً عند النزول قبل أن يعيها النبي صلى الله عليه وسلم ويقرأها للناس ويدور على الألسن، فلا مناص من تفسير المثل في القرآن الكريم، بمعنىً آخر، وهو التمثيل القياسي الذي تعرّض له علماء البلاغة في علم السياق وهو قائم بالتشبيه والإستعارة والكناية والمجاز، وقد سماه القزويني في "تلخيص المفتاح" المجاز المركب...
وعليه، فإن عامة ما ورد في القرآن الكريم من الأمثال فهو من قبيل التمثيل لا المثال المصطلح، وقد امتازت صيغة المثل القرآني بأنها لم تنقل عن حادثة معينة، أو واقعة متخيلة، أعيدت مكرورة تمثيلاً، وضرب موردها تنظيراً، وإنما ابتدع المثل القرآني ابتداعاً دون حذو احتذاه، وبلا مورد سبقه فهو تعبير فني جديد ابتكره القرآن الكريم حتى عاد صيغة متفردة في الأداء والتركيب والإشارة.
من هذا المنطلق، تأتي هذه الدراسة حول الأمثال في القرآن الكريم، وقد اشتملت على مواضيع تم بحثها في هذا الصدد وجاءت على النحو التالي: المثل في اللغة، المثل في الإصطلاح، فوائد الأمثال السائرة، الكتب المؤلفة في الأمثال، الأمثال القرآنية، أقسام التمثيل، الأمثال القرآنية في الأحاديث ثم الكتب المؤلفة في الأمثال القرآنية.
للإنتقال من ثم إلى تقسيم الأمثال القرآنية إلى الصريح والكامن، ثم بيان المراد من ضرب المثل، والأمثال القرآنية وإنسجامها مع البيئة، ليبحث من ثم فيما يتعلق بالتمثيلات القرآنية والآيات التي تحري مجرى المثل، والأمثال النبوية، ثم الأمثال العلوية، وأمثال لقمان الحكيم.
وأخيراً ينتقل لتسليط الضوء على ما جاء من التمثيل في السور القرآنية، البقرة، آل عمران، الأنعام، الأعراف، التوبة، يونس، هود، الرعد، إبراهيم، النحل، الأسراء، الكهف، النور، العنكبوت، الروم، فاطر، يس، الزمر، الزخرف، محمد، الفتح، الحديد، الحشر، الجمعة، التحريم، الملك.
هذا وتجدر الإشارة إلى تفاوت أعداد التمثيل والتي بلغت أقصاها في سورة البقرة وعددها اثنى عشرة تمثيلاً... إقرأ المزيد