تاريخ النشر: 01/01/2019
الناشر: دار الخليج للنشر والتوزيع
توفر الكتاب: يتوفر في غضون 48 ساعة
حمّل iKitab (أجهزة لوحية وهواتف ذكية)


نبذة الناشر:لماذا نكتب ؟
هذا السؤال الانثروبولوجي الذي ظلّ ملازما لكلّ كاتب ، أضحى رهانا لا يمكن تجاهله. وكل من يحاول الإجابة عنه هو في الحقيقة لم يفهم كنه هذا التساؤل، فالإجابة عنه تكمن في اللا إجابة. وفي هذا الإطار تتنزّل كتابات الروائي و القاص الشاب جميل فتحي الهمامي الذّي لفت الانتباه ...مؤخّرا عبر طريقته الخاصّة في اجتراح مفهوم جديد للكتابة، مفهوم حاول من خلاله تجاوز السائد و المألوف دون السقوط في أتون المفاهيم النقدية المضبوطة ونذكر منها على الخصوص النتاجات النقدية في الكتابة الحداثية و المابعد حداثية. فعندما أطلّ علينا جميل من بوّابة السرد الروائي عبر روايته المثيرة كلاشنكوف و التي صدرت عن دار الخليج للصحافة والنشر بعمان الأردن، وضع لبنة أولى في صرح مسيرته الأدبية، وقد كنت قد قلت في هذه الرواية حينها أنّ جميل فتحي الهمامي عندما يكتب فإنّه يتحوّل إلى ما يشبه الخزّاف حيث يجمع شتات الكلمات والاوصاف المتباعدة و المتنافرة و يعجنها في عجنة متماسكة ثمّ يبعث من هذه العجنة جسدا سرديا يقف بين القوّة واللين، بين العنف والهدوء، بين اللامبالاة والتفاصيل... غنّ لحظة الكتابة عنده تقف على ذات المسافة بين العبقرية والبساطة. واليوم يطلّ علينا الكاتب من جديد بإصدار ثان عن ذات الدار التي جدّد فيها الثقة برواية اختار لها من العناوين عنوانا مربكا وسمه هو صُنع في جهنّم، فما الذّي صنعه جميل في روايته هذه، بل ما الذّي صنعته الرواية في جهنّم. أسئلة مثيرة يطرحها القارئ وقد عهدت عن جميل قنصه للعناوين المستفزّة، فلا أفشي سرّا هنا إن قلت إن من بين أسباب نجاح روايته الأولى كلاشنكوف هو العنوان في حدّ ذاته لما يطرحه من أسئلة لعلّ أوّلها ما يثيره هذا السلاح من لعبة عسكرية وسردية في ذات الوقت.
إنّ أسلوب الكتابة عند جميل هو أسلوب السهل الممتنع، فالكاتب يستطيع ان يصنع من تفصيل صغير ناطحة سحاب سردية، وهذا جزء من اللعبة الكتابية التي يتقنها جميل أيّما اتقان، فها هو هنا يفاجئنا ببطل لم يذكر اسمه طيلة الرواية التي قسمها إلى شهقتين : شهقة أولى شهق فيها البطل، وشهقة ثانية شهق فيها القارئ، وهنا استحضر قول الناقد المغربي الكبير سعيد يقطين عندما اجترح مفهوم القاتب أي المزج بين لفظتي القارئ والكاتب. فهذه الرواية قد أشارت إلى هذا ولو ضمنيا الكاتب والقارئ اجتمعا في هاتين الشهقتين. ومن زاوية الخطاب السردي في رواية صنع في جهنّم، تمكّن جميل من جعل الأسلوب هو الطاقة التعبيرية داخل الرواية، غالبا ما كان هذه الطاقة ناجمة عن الاختيارات اللغوية من جهة، والصفات النفسية من جهة أخرى، فهو عبر شخصية محمود صديق البطل يحملنا إلى عالم المُثل الأفلاطونية التي يجب ان تكون داخل هذا العالم ومحمود يرى أنّها ليست من اليوتوبيا بمكان ولا حرج إن دافع عليها بفوّهة البندقية. وقد تذكّرت الفيلسوف شارل بالي عندما مدلول الأسلوب في تفجرّ طاقات التعبير الكامنة في اللغة، ولغة هذه الرواية متشظّية إلى حدّ كبير. ولئن عرّف ماروزو الأسلوب بأنه اختيار الكاتب وما من شأنه أن يخرج بالعبارة من حالة الحياد اللغوي إلى خطاب متميز بنفسه، فإنّ جميل في روايته قد شارك رأي المواطن العربي المثخن بالجروح والآلام، عندما حاول تخريجه ضمن القرية التي لجأ إليها البطل. يقول بيير غيرو في هذا الإطار: بأنه مظهر القول، الناجم عن اختيار وسائل التعبير، التي تحددها طبيعة الشخص المتكلم، أو الكاتب، ومقاصده. وللإشارة فقط، فإن الأساليب تتعدد وتتنوع في هذه الرواية إذ يمكن تقسيمها من ناحية الموضوع الذي يعالجه الخطاب اللغوي، وخاصة الخطاب الأدبي إلى ثلاثة أنواع من الأساليب وهي : الأسلوب البسيط أو السهل، الأسلوب المعتدل أو الوسيط، والأسلوب الجزلي أو السامي. ولذلك يقال في الأسلوب الأول، البسيط أو السهل أنه يصلح للرسائل والحوار، وقد رأينا هذا خاصّة في حوار البطل مع الطبيب الباكستاني نظير في بداية الرواية. وأمّا في الثاني المعتدل أو الوسيط، فأنه يصلح للتاريخ والملهاة، وقد جعلها جميل في منتصف الرواية عندما تذكّر البطل لحظة موت محمود وما أراده من ارجاع مجد العرب والمسلمين عندما حكموا العالم طيلة عقود في القرون الوسيطة. في حين أن الأسلوب الثالث، الجزل أو السامي يصلح للمأساة، وفي نهاية الرواية كانت المأساة بوجهها العاري عندما قُفلت الرواية على مشهد موت جميع اهل القرية بفعل قصف الطائرات.
إنّ رواية صُنع في جهنّم لجميل فتحي الهمامي تندرج ضمن الكتابات الما بعد حداثية وقد تمكّن من اتقان اللعبة السردية فيها، لكن يبقى السؤال قائما : لماذا نكتب ؟ إقرأ المزيد