في سكن الطالبات بين بغداد وعمان
(0)    
المرتبة: 73,495
تاريخ النشر: 04/02/2019
الناشر: دار وائل للطباعة والنشر والتوزيع
مدة التأمين: يتوفر عادة في غضون أسبوعين
نبذة نيل وفرات:في آب 1993 حطت رحالها في عمان محاطة بالأصدقاء القليلين والمعارف الكثيرين، الجميع يتردد لها ويبدي إعجابه بتصرفاتها العفوية الصادقة، وبعد أيام من وصولها اصطحبتها صديقتها التي كانت سبباً في مجيئها، إلى دارها الواسعة ذات الطابقين وجعلتها تسكن في الطابق العلوي الذي كانت تسكن به ابنتها قبل زواجها، ...والخادمات يأتين لها بالطعام ثلاث وجبات وغسل وكوي ملابسها، وكل مستلزمات العيش الكريم وحتى السائق (أبو رعد) الخاص لصديقتها يوصلها للعمل ويعيدها، ورغم كل العز والدلال؛ إلا أنها أحست بالدونية وهي لا تدفع ثمن كل هذا، بل شعرت بفقدان كرامتها... ومن يفقد كراته يفقد إنسانيته.
لا بد من المغادرة، وحيث أن الراتب لا يكفي لإستئجار شقة مفروشة، لذا اتخذت قرار العيش في سكن للطالبات قريب من المدرسة التي تعمل بها، لم يكن لها خيارٌ؛ هما أمران أحلاهما مرّ، هكذا قال المتنبي، لم يكف المصعد حقائبها الخمس والصناديق الكرتونية والأكياس العديدة، كانت حاجياتها كثيرة، فهي ستقيم عاماً أو أكثر... وما انهت نقل حاجياتها إلى غرفة حقيرة على أن تشاركها إحدى الطالبات، رفضت وطلبت غرفة مستقلة وإن كانت أصغر من أصغر مرافق بيتها الواسع الذي غادرته لأسباب لا تعلمها إلا إذا آمنت أن الإنسان مسيّر وليس مخيّر.
تألمت بحزن شديد وألهمها الله تعالى الصبر والرضا والقناعة فأفرغت حقائبها ونامت من شدة التعب كانت تحاول الإستيقاظ في الخامسة فجراً قبل إستيقاظ الطالبات من النوم...
الحمام يبعد عشرات الأمتار عن غرفتها عليها أن تسير طويلاً لتصل إليه أو إلى المطبخ وهي في طريقها إليه يلوح حمام منزلها أمام ناظريها، ذاك الذي كان عند باب غرفتها ولا يستخدمه أحد سواها، بعد الحمام تدخل المطبخ لتعدّ قهوتها وتذهب بها إلى غرفتها ترتشف على مهل وهي تتأمل شروق الشمس من شباك نافذتها التي تطلّ على الوادي السحيق، ثم ترتدي ملابسها وتخرج مبكرة إلى المدرسة التي تبعد مسافة ليست بالقصيرة عن السكن...
هكذا تنقضي أيام حياتها وذكريات تتوالى كتوالي أحداث قاسمها المشترك السكني في بيت للطالبات... هي ثلاث سكنات عاشت فيها الكاتبة فعليّاً بين طالبات في أخطر مراحل العمر؛ المراهقة وحتى فترة الجامعة... وهي لا زالت تذكر يوم كانت نزيلة "في سكن طالبات جامعيات كان يضم طالبات من اليمن والسودان وسوريا والخليج ومن أمريكا اللاتينية وحتى من أوروبا عربيات الأصل، ويرغب ذو وهن في تعليمهن العادات والتقاليد واللغة العربية...
ذكرياتها في مراحل سكناها الثلاث حثتها على الكتابة، فإن ما كتبته عن سكن الطالبات هو نتاج تجارب عاشتها مع الطالبات، وكانت فيه نزيلة شأنها شان أي طالبة، وعاشت بينهن من الساعة الثالثة ظهراً، بعد عودتها من العمل وحتى الساعة من صباح اليوم التالي؛ مما أتاح لها فرصة الملاحظة ورصد التصرفات، وسلوكيات الطالبات اليومية في مجالات الحياة كافة؛ وهكذا أبصرت هذه المذكرات النور؛ والتي بدأت أحداثها في بداية التسعينيات القرن الماضي، وقدمت الكاتبة أوراقها للقارئ بثقة العارف، وبجدية الراوي الذي خبر الأشياء وتسلل إلى جوهرها، ولم يكتف بملامسة سطحها أو قشرتها.
لذا، جاء كتابها "سكن الطالبات" زاخراً بالكتابات التربوية المهمة، يجعل الكثير من المصداقية والواقعية، وهذا لكونها قريبة من الحوادث والأحداث، ومن أجواء ومناخات الطالبات الفنية بالآراء وبوجهات النظر المتباينة تبعاً لتباين مشارب وإنتماءات الطالبة.
بالإضافة إلى ذلك، أغنت الكاتبة كتاباتها، بتلك المقالة المهمة عن بغداد، والتي تداخلت فيها معاناتها مع معاناة بغداد، حيث قالت في البداية إنها هناك بدأت بمعاناة من نوع آخر، معناة البيع لأحلى وأغلى ما تملك من أمور تذكرها بسنوات العزّ والخير يوم كانت زوجة وأمَّاً وسيدة مجتمع، وموظفة من الدرجة الأولى...
وبعد... أن تابعت كلامها، ورد لها جملة من الشعر الذي قالت فيه: "ضائعة أنا وكل ما لديّ ضاع فقدت ما عزّ ولم يبق إلا اليراع... وسأركب اليوم زورقي وأشدّ الشراع، لأرحل عن دنيا عشت فيها بصراع... وأقول للماضي السعيد ألف وداع"...
مقالات... امتزج فيها الماضي الحاضر والأمل بالألم... والنثر بالشعر... والأماكن بالأماكن... ففي كثير من الحوارات، وكما تحدثت عن بغداد... تحدثت عن عمان... وفي كلٍّ ذكريات... جديرة بأن تُقرأ... فيدرك القارئ، وكما قالت: "الضربات القوية تهشم الزجاج... لكنها تصقل الحديد" وكتابها خير دليل على أن تجاربها صقلتها... إقرأ المزيد