تاريخ النشر: 15/10/2018
الناشر: شركة الأعلمي للمطبوعات
نبذة نيل وفرات:إبن عربي : هي التسمية الواردة من المؤلف نفسه وعن أتباعه ومؤرخيه القدامى . ولكن بدأ يُعرف بإبن عربي لدى أهل المشرق للتفرقة بينه وبين الفقيه المالكي ، القاضي أبي بكر ، محمد بن عبد الله الاشيلي ، المتوفي عام 546 ه . وإسم الشيخ الأكبر العارف بالله العلامة ...إبن عربي هو : أبو عبد الله ، محمد بن علي بن محمد بن العربي ، الحاتمي الطائي . ولد في 17 رمضان سنة 506 هجرية الموافق 28/7/1165 ميلادية في مدينة مرسية بالأندلس وتوفي في 26 ربيع الثاني سنة 638 هجرية ، الموافق 16/11/1240 ميلادية في مدينة دمشق . ومرسية هي مدينة أنشأها المسلمون في عهد بني أمية . وكان أبوه علي بن محمد من أئمة الفقه والحديث ، ومن أعلام الزهد والتقوى والتصوف . وكان جده أحد قضاة الأندلس وعلمائها ، فنشأ نشأة تقية ورعة نقية من جميع الشوائب الشائية . وهكذا درج محي الدين في جو عامر بنور التقوى ، فيه سباق حر مشرق نحو الشرفات العليا للإيمان ، وفيه عزمات لرجال أقوياء ينشدون نصراً وفوزاً في محاريب الهدى والطاعة . وانتقل والده إلى اشبيلية ، وحاكمها إذ ذاك السلطان محمد بن سعد ، وهي عاصمة من عواصم الحضارة والعلم في الأندلس ، وفيها شبّ محي الدين ودرج . وما كاد لسانه يبيّن حتى دفع به والده إلى أبي بكر خلف ، عميد الفقهاء ، فقرأ عليه القرآن الكريم بالسبع في كتاب " الكافي " ، فما أتم العاشرة من عمره حتى كان مبرزاً في القراءات ملهماً في المعاني والإشارات . ثم أسلمه ابوه إلى طائفة من رجال الحديث والفقه . وفي طليعة هذا الشباب المزهو بفضل ثروة أسرته تزوج بفتاة تعتبر مثالاً في الكمال الروحي والجمال الظاهري وحسن الخلق ، فساهمت معه في تصفية حياته الروحية ، بل كانت أحد دوافعه إلى الإمعان فيها . ومما لا ريب فيه أن استعداده الفطري ونشأته في هذه البيئة التقية ، واختلافه إلى إحدى مدارس الأندلس التي كانت تعلم سرّ مذهب الأمبيذ وقلبة المحدثة المفعمة بالرموز والتأويلات المجددة عن الفيتاغوريثة والاورمنبوسية والفطرية الهندية ، كل ذلك قد تضافر على إبراز هذه الناحية الروحية عنده في سن مبكرة . فلم يكد يختم الحلقة الثانية من عمره حتى كان قد انغمس في أنوار الكشف والإلهام ، ولم يشارف العشرين حتى أعلنت أنه جبل يسير في الطريق الروحاني بخطوات واسعة ثابتة ، وأنه بدأ يطلع على أسرار الحياة الصوفية ، وأن عدداً من الخفايا الكونية قد تُكشف أمامه ، وأن حياته منذ ذلك العهد المبكر لم تعد سوى سلسلة من البحث المتواصل مما يحقق الكمال لتلك الإستعدادات الفطرية التي تنير أضواءها عقله وقلبه . غير أن هذه السكينة الروحانية التي بدأت لدى هذا الشأن مبكرة ، والتي كانت ثمارها فيما بعد تتمثل في تلك المعرفة باطلاعه على جميع الدرجات التنسكية في كل الأديان والمذاهب ، لم تدم طويلاً على حالة واحدة ؛ إذ أنه لم يلبث أن تبين أول الأمر بالإلهام ؛ ثم عن طريق الكشف الجلي أنه لم يعد له بدّ - في تلك البيئة المغربية إذ ذاك - من أحد أمرين : إما أن يجاري التيار العام ، بتقيده في جميع افكاره وتعقلاته وأحاسيسه ومشاعره بحرفية الدين التي لا روح فيها ولا حياة ، ولا سرّ ولا رمز .. وبهذا تختفي شخصيته الحقيقية وتفشل رسالته الضيعية ، وإما أن يسير على فطرته ، وحسب تكوين عقله وقلبه .. وإذ ذاك رأى في حالة اليقظة أنه أمام العرش الإلهي .. ورأى طائراً جميلاً بديع الصنع يحلق حول العرش ويصدر إليه الأمر بأن يرتحل إلى الشرق .. لتبدأ من ثم رحلاته الطويلة المتعددة بين سنتي [ 597 - 620 ه / 1200 - 1223 م ] ورحل إلى مكة سنة 1201 م وفيها سطعت مواهبه العقلية والروحية ، وتركزت حياته الصوفية ، وجعلت تصعد في معارج القدس شيئاً فشيئاً حتى بلغت شأواً عظيماً ، وهناك ألف كتابه " الجوامع المكية " الذي ضمنه أكثر وأهم آرائه الصوفية والعقلية ومبادئه الروحية ، وبعدها ارتحل إلى الموصل ، وبعدها إلى القاهرة ، ثم عاد إلى مكة ، ليرتحل بعدها إلى قونية بتركيا ، ثم لم يلبث أن ارتحل إلى أرمينا ومنها إلى شاطىء الفرات ، ليرجع بعدها إلى مكة وذلك سنة 1214م وغادرها بعد أن شوّه البعض سمعته ليتوجه إلى حلب فيقيم بها ردحاً من الزمن معززاً مكرماً من أميرها ، وأخيراً يلقى عصا التسبار في دمشق سنة 1223م حيث كان أميرها أحد تلاميذه المؤمنين بعلمه ونقائه ، ويظل بها يؤلف ويعلم ، ويخرج التلاميذ والمريدين يحوطونه الهدوء وتحف به السكينة حتى يتوفى بها في 28 ربيع الثاني سنة 638ه الموافق 16 نوفمبر سنة 1240م . ويعد كتابه تفسير القرآن واحداً من أهم كتبه ، وهو تفسير يجمع فيه ابن عربي بين علوم النقل والعقل والتأويل والرمزية يحلق فيه إلى عالم الصفوة والروحانية ، مستمداً من الأقطاب ما أرضيهم ، ومن بعد التأويلات ما سكنت إليها نفسه ، وصفت فيها روحه ـ بعد وصوله إلى مقام العارفين . إقرأ المزيد