تاريخ النشر: 28/02/2018
الناشر: المؤسسة العربية للدراسات والنشر
نبذة نيل وفرات:"لوقع قدميها على أسفلت الطريق صوت سنابك خيل لجيش عاد للتو من إنتصار في حرب طويلة، كانت الأمهات والحبيبات يملأ من أيامها دموعاً ونواحاً، ولوعة بها بهاجش الخوف من الفراق العظيم، وكأنها جنرال يستعرض جنوده العائدين بنشوة نصر مبين في حرب سهلة.
تقود جمافل جيوشها لتقتحم فؤادي من دون خوف ...أو وجل، تتحول حصاة الطريق وحجارته ياقوتاً وزمرداً وعقيقاً بنثرها المستقبلون المنتشون بالنصر المؤزر، لتصطدم بصدرها المطرح بالنياشين والأوسمة، والتي تحسب إنتصاراتها اليومية على فؤادي المنهزم دوماً، لكن العنيد أيضاً بتكرار الهزيمة، على أمل تحقيق فوز ولو ضعيف بالإلتفات إلي، أو بإنتصار مبجل بإبتسامة تمحو عار جميع هزائمي اللذيذة.
أحاول الهرب من إعلان الهزيمة في الحرب السرية التي نخوضها ضد بعضنا، قد لا تكون تدري بتلك الحرب، أولاً تعرف بحجم الإنتصارات التي يتحقق لها من دون حساب، أرسم على وجهي ملامح فرح أو اصطنع إبتسامة عريضة بلهاء، كمنغولي يقدم على إحراق جسده المبلل بالبنزين، دون أن يدرك خطورة النار التي تعبث بها أصابعه، فأشعر بوجهي علبة معدنية تخلخل فيها الضغط، وتقلب الخارجي على ما بداخلها، فتندفع جدرانها بعنف إلى داخلها، أتقلب على تضلع وجهي بالإبتسامة البلهاء التي يدرك صحبي سخافة رسمها، إنها ليست حرباً ضد بعضنا، إنها حربنا معاً ضد آخر، لا أعرفه انا ولا انت، هذا ما أردت أن أصرح به في وجهها يوماً، لحظة كدت أصطدم بها في منحنى الطريق القريب من بيتها، فانعطفت بإتجاه مدرستها وحدها، وأخذ كل منا يزيد من الإلتفات للآخر، بعد أن اجتزنا المنعطف.
فأسرعت بهرولة لأختصر الطريق بالوصول قبالة مدرستها، لأرتوي بإرتشاف رؤيتها تتقدم نحو الباب الرئيس، وهي تنظر إلى مكاني الذي تسمرت به، فتجزأت برفع يدي بما يشبه التحية لها، وهي تلتفت حين اجتازت الباب بإبتسامة رسمتها على وجهها كله، اجتاحت غمامة بلون الزمرد عيوني وغشيتها، حتى غابت صورة المدرسة والمدينة والعالم، بإستثناء صورتها، ودخلت في ما يشبه الغيبوبة، لم أذهب يومها إلى مدرستي، بل عدت مسرعاً لأحتضن أمي وأقول لها: كم أنت رائعة، أزاحت رأسي عن وجهها، ووضعته فوق كتفها اليسرى، ولامس خدها خدي، وهي تمرر أناملها بين خصلات شعري، حتى لاصق فمها أذني، ودوى في رأسي همسها: بني حسن... إنها أول الأوجاع.
عند لحظة سريان السم في جسدي في هذا القفر، لا يتراءى لي سواك، ولا أراني مجبراً على الإعتراف إلا لك، وأعلم إستحالة وصول صوتي إليك، وليس عندي من مدوّنة إلا قلبي، استنزف منه ذكرى لك، لأغلق عيني صورتك التي أحببتها، ولا أعرف إن كان ما أقوله هذيان لحظة الإحتضار أم شيئاً غيره، لك أن تقولي ما تشائين، وأن تعيشي كما تشائين، لك أن ترسمي عندك بطريقة تناسبك بعيداً عني، لأني أدرك البون الشاسع بيننا، لا تقارب رؤى ولا أساليب، وكل منا قارة معزولة عن الأخرى، لا يجمعنا سوى إحساسنا بحب جارف يرغمنا على خلق توافقات لا تصمد أمام إختلافنا، ونقاوم الفراق المحتم الذي لا فكاك منه، وهي سمة الحب السحرية التي تجمع تناقضاتنا، فنراها مناسبات فرح للتندّر عليها، ونضحك على مكامن قتل قلبينا من دون أن نعمل بجد على مواجهة عللنا التي ابتلينا بها أنا وأنت".
أحداث تطل على أبواب مغلقة على المعنى الحقيقي لوجودها، فهي لا تستر ما خلفها وحسب، ولا تتحكم بالمرور إليه فقط؛ بل هي كوريقات زهرة لم يحن وقت تفتحها، فتنكمش على قلبها العطر، الأبواب خلفها شخصيات كوريقات زهر لم تتفتح بعد، توقظها معرفة الحكايات التي تقف خلفها، فتفرش أوراق زينتها على إتساع الفهم للراغب به...
حكاية وسرديات وتكتم، وتبوح تضحك وتبكي، تظهر السرور إن رغبت، وتضمر الحزن إن رغبت... إنها كائن يحكي الكثير للذي يفهم لغته، ويلوذ بالصمت ويشح بالحكايات على من يغلق عليه فهم ما يقوله خلف السطور. إقرأ المزيد