المسلمون والاقباط في إطار الجماعة الوطنية
(0)    
المرتبة: 86,475
تاريخ النشر: 01/01/1982
الناشر: دار الوحدة للطباعة والنشر
نبذة نيل وفرات:يذكر ميخائيل شاروييم في "الكافي" أن الوالي عباس الأول، الذي تولى الحكم قبل محمد سعيد، مكان شديد النقمة على النصارى، وأخرج منهم كثيرين من خدمة الدولة، وأراد أن يدبر إخراجهم من وطنهم وتبعيدهم إلى السودان، ولزمه لتنفيذ هذا الأمر أن يستصدر من الأزهر فتوى بجوازها، فطلب إلى الشيخ الباجوري، ...شيخ الجامع الأزهر وقتها، الرأي في جواز أبعادهم، فرفض الشيخ إنفاذ رغبة الوالي قائلاً أنه كان يعني الذمّيين الذين هم أهل البلاد وأصحابها، فالحمد لله لم يطرأ على ذمة الإسلام طارئ، ولم يستول عليها خلل، وهم في ذمته إلى اليوم الآخر؛ فإن كان الوالي يعني النصارى الفرجنة النازلين في البلاد، فليحذر أن فعل بهم شراً أن يحلّ بالبلاد ما حل بالجزائر من الفرنسيين.
وكان موقف الشيخ هو الموقف التقليدي للفكر الإسلامي منذ القدم، وفي إطار الجامعة الإسلامية ودار السلام، والحاصل أن التنظيم الإسلامي عبر التاريخ أظهر في نظرته إلى غير المسلمين من أهل الكتاب، وإلى المسيحيين خاصة، تعاملاً سمحاً ورحباً إذا قورن بأي تنظيم آخر عبر هذه الحقب.
وإن صار ذلك من تراث الفكر الإسلامي بعدها، وفي مصر خاصة كان التلاؤم أكثر قوة، وكثيراً ما كان يتردد الحديث النبوي الشريف الذي أوصى العرب بالقبط لأن لهم فيهم نسباً، ويرجع هذا النسب إلى السيدة هاجر المصرية زوجة إبراهيم عليه السلام وأم إسماعيل أبي العرب، كما يرجع إلى زواج النبي عليه السلام بمارية القبطية.
وثمة كثير من النصوص والوقائع يمكن إيرادها دلالة على التعامل السمح للنظم الإسلامي مع الأقباط، وكان منهم الوزراء والرؤساء في الإدارة المصرية، وإذا كان عرف من كرومر من كتاباته إنكاره الجازم لوجود أية جامعة وطنية تضم المصريين، أو أية جامعة سياسية تجمعهم، فإنه عندما تكلم عن أقباط مصر وعلاقتهم بمسلميها، ورغم حرصه على تجاهل الروابط الوطنية الجامعة للمصريين عموماً، مسلمين وأقباط، لم يستطع أن ينكر الإمتزاج الكامل الذي لاحظه بين العنصرين.
كتب عن القبط يقول بأن تجربته الخاصة تقوده إلى عدة نتائج، منها أن القبطي المصري اكتسب خصائص أخلاقية ينصف بها المسلم المصري، وأن هذا الإكتساب يرجع إلى ظروف لا تتعلق بالإختلاف في العقائد، وأن القبطي اكتسب خصائص فكرية تنقص المسلم، وهذا الإكتساب لا يرجع إلى إختلاف العقيدة أيضاً.
وإن كان ارتبط به إرتباطاً طارئاً، ثم قال أنه بوجه عام "الخلاف الوحيد بين القبطي والمسلم، هو أن الأول مصري يتعبد في كنيسة مسيحية، بينما الآخر مصري يتعبد في مسجد محمدي.
ضمن هذا الإطار تأتي هذه الدراسة التي يتناول المؤلف من خلالها الصلة بين مسلمي مصر وقبطها في المجال السياسي، أي بحث تلك الصلة من خلال تطور الجماعة الوطنية المصرية، ومن خلال نمو المفهوم القومي للجامعة السياسية منذ القرن التاسع عشر، متمثلاً في حركة الإستقلال السياسي عن السلطنة العثمانية، وفي حركة التميز القومي عن الخلافة العثمانية. إقرأ المزيد