ظاهرة الزمن في الشعر العربي القديم
تاريخ النشر: 19/06/2017
الناشر: دار سائر المشرق
نبذة الناشر:يتوق الإنسان أحيانًا إلى الخلود، يحارب للبقاء، يسعى وراء تحقيق ما تطالبه به رغباته، فيمضي زمانه باحثًا عن مزيدٍ من الفرح والحب، خاضعًا لشهواتٍ لا تغيب عن البال. ولكن الحياة زائلة والزمن ينقضي ويجري بسرعة ويجرف معه كلَّ شيء يلوح في خانة الأماني والأحلام. ورغم ريب الإنسان من الدهر راح ...يسعى في طلب البقاء لينال حياة الدنيا. يفتقد الفرد مع تدفّق الوقت الآمال، ويبتعد يومًا فيوم عن تنفيذ أوامر ميوله، لذلك تكون تجربته مع الزمن أليمة تشعره دائمًا بتناهيه وانقضائه.
لسريان الزمن وقعٌ على نفوس البشر أجمعين، على تصرّفاتهم وأطوارهم وأحاسيسهم. مسيرة الدقائق هذه تبدّلت وبدّلت معها ظروف الحياة والحقائق. منذ الأزل البعيد حتى اليوم انشغل الناس بدورة عقرب الساعة، حتى الشعراء لم ينفكّوا عن تأمل الوقت؛ فترتسم في أذهاننا تساؤلات عديدة حول تأثير هذه المسألة على الشعر العربي القديم مثلًا: كيف طبع الزمن بصماته على حياة شعوب ذلك العصر؟ وكيف عبّر شعراء تلك العهود عن هذه الديمومة الأبدية التي تؤرق الإنسان؟
"ظاهرة الزمن في الشعر العربي القديم"، كتابٌ للدكتورة نضال الأميوني دكّاش صدر عن دار سائر المشرق في طبعته الثالثة. 326 صفحة أدبية بامتياز تلقي نظرة على التحليل الماركسي للزمن، وتجول على التعريفات التي وردت لدى فرويد، وفلوبير، وسارتر وغيرهم من الفلاسفة، متوقّفةً عند الشاعرَين بشار بن برد وأبي النواس كنموذجين عن شعراء تلك الحقبة.
ترتبط ظاهرة الزمن وآناته عند الشعراء العرب القدامى، بمشكلة المصير في صراعه من أجل البقاء، ويتأثّر شعره بالزمان وطبيعة المكان، بعوامل نفسية وتجارب شخصية عايشها الشاعر منذ الصغر.
"بين ضفّة الحياة ووهدة الموت"، تتهادى أشعار العباسيين، وتتطفو فكرة الحزن واليأس والتذمّر على قوافيهم، فيظهر البؤس الذي تربّص بمصائرهم وزمنهم. ها هو بشّار المتبرّم دائمًا، المعروف بانطوائه بسبب إصابته بعاهة العمى منذ ولادته، يوسم شعره بالتّشكي والأسى واللوم بما ينسجم مع موقفه من الزمن، ومع حالته النفسية التي راحت تسوء بسبب جموح رغباته، وقبحه وعماه، وصدّ محبوبته له، التي لم يرَ وجهها لكنه كتب فيها أجمل القصائد مكتفيًا بمؤشّرات نبضات القلب وجودة حاسة سمعه. طال ليل بشّار
"جفّت عيني عن التغميض حتّى كأن جفونها عنها قصارُ" (ص. 67)،
فراح ينتظر تلاشي وقع اللحظات التي لم تبالِ بمشاعر ومطالب هذا الشاعر الضرير الذي قرّر الخروج من دوامة الأحزان والصدّ واللّجوء إلى مرابع الخمر والسكر التي تنساب فيها اللحظات بغبطة. ومن نشوة الكحول، إلى توبة نادمة نابعة من القلب، انتهى به الأمر مقتولًا بتهمة الزندقة.
زمن بشّار العاشق المعاني أخذ شكلًا دراميًا يشبه رحلة حياته، أما أبو النوّاس الذي تركته والدته في صغره وراحت تعيش على هواها، فقد خسر والده باكرًا وتخبّط في ذاك المجتمع العبّاسي حتى وجد نفسه منحرفًا، مستلقيًا في إحدى الخمّارات بين الكؤوس والأقداح، يرزق بأشعارٍ خالدة بعد كلّ لقاءٍ عاطفي وعناقٍ يجمعه بالخمرة. من زمن الداء إلى زمن الدواء، وجد أبو النوّاس في هذا المشروب روح الزمن، لا بل وجد فيه الشغف، الكمال؛ هو الواقع الآخر الذي احتضن أحزان أبو النوّاس وشرّع الباب أمام عِقَدِه النفسية لتظهر أمام الملأ من دون خِزيٍ أو خَفَر.
تحدّى أبو النواس وبشّار الزمن بالرفض، اعتنقوا الخمرة ليتناسوا مخاوفهم من المصير والقدر وانقضاء العمر من دون أن يلبّوا شهوات غريزتهم.
"إن أي نوع من الكتابة هو فعل وجداني لا ينفصل زمنه عن زمن الذات التي تعيش زمن التجربة"، لذلك وصف لنا هذا الكتاب بشكل دقيق ومفصّل مدى أثر الأحوال والظروف الزمنية التي عاشها شعراء تلك الحقبة على مذاق الشعر وميله إلى الألم الناتج عن عدم إشباع الرغبات. لم تغفل الدكتور دكّاش عن أي تفصيل. تعمّقت بتعريفات الزمن، تشدّدت في ذكر أدقّ التفاصيل، وأصرّت على شرح وتفسير مجمل الأبيات الواردة في كتابها، المخصّص بالدرجة الأولى لكل المهتمّين بإنشاء دراسة حول تلك المرحلة الشعرية ولكلّ متذوّقي الأدب على حد سواء.
في عصر العبّاسية، اعتبر شعراؤها أن الحياة ذات الوجهين الموحش والجميل، هي حلم سريع الزوال، ربما هي "دار مقر" ولعلّها تكون "دار مفرّ"! ولكن هل تستحق الحياة البشرية بالفعل كل هذا الصراع من أجل الصمود في أحشائها؟ وهل نستحق فعلًا أن نفني حياتنا في البحث عن إكسير الفرح، هاربين من الفناء إقرأ المزيد