تاريخ النشر: 05/10/2016
الناشر: مكتبة السائح
نبذة نيل وفرات:تتفوق كنيسة إنطاكية بالكرامة لأن بطرس الرسول علم فيها وصار أول أسقف عليها، يقول القديس يوحنا الذهبي الفم الإنطاكي في مديح القديس الشهيد العظيم اغناطْيُس خليفة بطرس: "وكأني به (المسيح) جعل مدينتنا في كفة ميزان، والعالم كله في كفة أخرى... لأن إمتياز مدينتنا على كل المدن قائم على إتخاذها، ...من الأصل، هامة الرسل معلِّماً وراعياً، لأنه لاق أن يكون أول الرعاة في الرسل راعياً للمدينة التي دُعيَ فيها المسيحيون أولاً بهذا الإسم الشريف... أما أنتم أيها الإنطاكيون فإذا دار الكلام في الرئاسة، فاطلبوا التقدم على كل المسكونة، لأن مدينتكم هي المدينة الأولى التي سُمِّي فيها اسم المسيح".
ولما أراد ديوسقرُس أن يفرض نفسه على الكنيسة جمعاء، متذرعاً بسلطان مرقس الإنجيلي مؤسس كنيسة الإسكندرية، انبرى له ثيوذوريُّس ابن انطاكية البار والعارف عميقاً بتاريخ الكنيسة، وأوضح له حدود المجامع، ولمّا أصرّ على موقفه ولم يقبل بالحدود قال له: "إن إنطاكية المدينة العظمى فيها فيها كرسي الرسول بطرس الذي كان معلم مرقس وأول الرسل".
هذا بعض العرض لأمجاد إنطاكية ومفاخرها، أما مآسيها ومصائبها فهي تدفق الهرطقات الكبرى فيها ومنها وعليها، وإنقساماتها على ذاتها، ودور النضال المرير الذي كان عليها أن تواجه به تلك الهرطقات والإنقسامات لتدفع عنها الكيد والتعدي وتسلم بأرثوزكسية التعليم الغالية، وذلك في طول رقعة هذه الكنيسة وعرضها، وبعد آفاقها، وتعدد شعوبها، حتى ذرّ قرن الطبيعة الواحدة، فشطرت وحدتها منذ النصف الثاني من القرن الخامس، وعبثاً بُذِلتْ كل المساعي والجهود، خصوصاً من الدولة الكنيسة، لرأب الصدع وإعادة الوحدة، واستمر الأمر حتى جاءت الغارات والحروب الفارسية فَضَعُفَتْ وأْنهكت، واندرست عاصمتها ومدنها تحت نير الفتح الفارسي الذي مهّد للفتح العربي الإسلامي وما تلاه من فتوح الصليبين والمماليك والتتر والترك وغيرهم.
من هنا، تأتي أهمية هذا الكتاب الذي يتيح للقارئ التوقف عند حقيقة التاريخ العربي من تاريخ هذه الكنيسة ليتأمل، في ضوء الحقيقة، وعلى الرغم من الظلام الذي يكتنفه، وليرى إستمرار إزدهار هذه الكنيسة، وليقف على نشاط اللاهوتي والكتابي المتمثل في جمهرة من الآباء الكبار البارزين، وخصوصاً من دمشق وسواها، وعلى رأسهم القديس يوحنا الدمشقي وتلميذه ثيوذُرُس بن قرّة وصفرونيُس ويوحنا موسُخن وإندراوس وسواهم.
هذا وقد ذكر القديس ثيوذُرُس السطوذيتي (رئيس دير ستوديت في القسطنطينية) إنه انعقد في دمشق بالذات مجمع مسكوني من الشرق والغرب ضد محاربي الأيقونات، إلا أنه قد ضاعت أعماله، وعند متابعة القارئ لتاريخ هذه الكنيسة يلمحها وقد اكتملت نوابذها وهي ترزح تحت الحكم التركي، وذلك بتلك الإنشاقاقات الطارئة التي مزقتها إلى طوائف الروم الكاثوليك والسريان الكاثوليك والأرمن الكاثوليك، والكلدان والبروتستانت وغيرهم.
إلا أن مؤلف هذا الكتاب والمؤرخ لهذه الكنيسة، يحسب هذا الكرسي رقعة واحدة، متتبعاً بمحبة وعطف تاريخ كنائسه المتعددة التي مثلت كنيسة واحدة، وأخيراً تجد الإشارة إلى أن هذا الكتاب هو من عمل الطيب الذكر، المستحق للمديح والرحمة خريسوستْمُس بابا دو بولس المؤرخ والعلاّمة الكبير والذي كان أستاذاً في جامعة أثينا، والذي اختص بتاريخ الكنائس الشرقية.
ألّف هذا الكتاب خلال عدة سنوات قضاها في البحث والكشف والتنقيب والتدقيق، ولم يسعفه الأجل، فمات قبل نشره حيث تولى طبعه، فيما بعد، بطريك الإسكندرية خريستفورُس، على نفقته في المطبعة البطركية اليونانية سنة 1951، ونظراً لأهميته، ولغيرته على الكنيسة الإنطاكية الأم، عمل الأسقف استفانُس حدّاد إلى تعريبه على الرغم من كل الصعوبات التي واجهته، وليتم نشره في العام 1982، مغنياً المكتبة العربية، المسيحية والتاريخية على وجه الخصوص بهذا العمل القيّم. إقرأ المزيد