تاريخ النشر: 01/01/1947
الناشر: دار المكشوف
نبذة المؤلف:في العام 1872 أطل على الوجود، في مدينة جنوى، وليد جديد لم يكن إنسان يقدر أن أنامله الرخصة ستصبح يوماً أطرافاً سحرية لدنة تمس أوتار الكمان فتنصاع لها بأروع اللحون وأطوعها مجاوبة لإختلاجات الأرواح، وأبرعها محاكاة لما تردده حناجر الطبيعة حية وجامدة من أصوات جهرية أو خفية.
كان اسم هذا الوليد ...الجديد نيكولو باغانيني، وكانت عائلته التي منها نبت، فقيرة تقطن حياً قديماً من أحياء جنوى، إلا أن الهيام الموسيقى كان أصيلاً صميمياً في ربّ هذه العائلة، فلم يبلغ نيكولو أول رعيه حتى دفع إليه والده بآلة "مندولين"، طفق يمرنه عليها في أوقات الفراغ تمريناً لا مهادنة فيه ولا إنقطاع.
ويقال أن الوالد لم يكن له همٌ أبعد من أن يصبح ولده هو العازف الأول على الكمان في كنيسة المدينة، ولذلك ما لبث أن ألقى بين يديه كماناً إلى جانب المندولين، جعل يمرسه به بالحماسة نفسها والوكد نفسه؛ وحذق ياغانيني الصغير العزف على الكمان حذقاً عجيباً في وقت يسير، وشرع ينزع منه الوتر تلو الوتر، حتى لم يبق إلا وتر واحد، ومع ذلك أصبح في قدرة ياغانيني أن يستنبط من هذا الوتر وحده فوق ما يستنبطه سواه من الكمان وهو مكتمل الأوتار.
وذاع صيته في جنوى كلها، ولما بلغ السادسة من عمره وافقت سلطات الكنيسة على أن يشترك في العزف نهار الأحد، فتعاظم جميع المقبلين للإستماع إليه، وأحس الجميع بأن عبقرية موسيقية تبزغ في الوجود.
وما أدرك ياغانيني الحادية عشرة من عمره، سنة 1793 حتى فسح له مجال في أوساط كبار الفنانين، فساهم في حفلاتهم وعزف بعض القطع التي وضعها بنفسه على غرار نشيد الكارامنيول الثوري؛ وهنا تطوع كثير من الأغنياء والأعيان لموآزرته في سبيل إتمام دروسه، ففرح الولد واغتبط الوالد، وحل باغانيني على مدينة بارما ليتتلمذ على يدي الساندرو رولاّ، ورولا يومئذٍ مفخرة إيطاليا ونابغتها في العزف على الكمان.
وهكذا انطلق ياغانيني يوماً في صحبة والده إلى بارما، ولكن الساندرو رولاّ كان مريضاً في الفراش، فأجلستهما الخادمة في قاعة الإستقبال ومضت تنبيء سيدها بقدوم الزائرين الغريبين، ويظهر أن رولا لم يشأ أن يقابل أحداً وهو في وعكته، ويظهر أن ياغانيني لحظ أن قطعة موسيقية كان رولا قد ألفها جديداً، ونسيها على الطاولة، فأخذ الكمان وراح يعزف القطعة، فسمع رولاّ العزف، وانصت إنصاتاً عميقاً ذاهلاً، ثم وثب من فراشه ففتح الباب المؤدي إلى قاعة الإستقبال صائحاً: "من ذا الذي يعزف قطعتي؟"... أجابه الصبي: أنا يا سيدي، فتأمله رولا بين مصدق ومكذب ثم قال له: إذن، فليس لي ما ألقنك إياه يا بني، فامضٍ موفقاً.
في هذا الكتاب أتابع سيرة هذا الفنان العبقري، الذي استخلصته من كتاب لبوريس فارتانوف اسمه "حياة باغانيني الغرامية"، بناه مؤلفه على رسائل الفنان التي وجهها إلى صديقه الحميم ليونجي جرمي، وهي رسائل كشف عنها البحث في الآونة الأخيرة. إقرأ المزيد