ذكرى الشاعرين (حافظ إبراهيم - أحمد شوقي)
(0)    
المرتبة: 67,109
تاريخ النشر: 01/01/1985
الناشر: عالم الكتب للطباعة والنشر والتوزيع
نبذة نيل وفرات:حافظ إبراهيم شاعر كبير، لكنه على عظمته كشاعر موجزُ تاريخ الحياة، حتى لتستطيع القول بأنه نشأ نشأة عادية، ثم التحق بالمدرسة الحربية، ومنها سافر إلى السودان ضابطاً، وأقام بالسودان سنوات قليلة معدودة، ثم عاد منها وأقام بمصر شاعراً يرتفع في سماء الشعر نجمه، ثم يلتحق بعد ذلك بخدمة الحكومة ...في دار الكتب، ويظل بها إلى أن يحال على المعاش في 4 فبراير (شباط) 1932.
هنالك يعود إلى ميدان الشعر واسع الأمل لولا تهدم بنيانه وإنهيار صحته إنهياراً استعجل أجله في 21 يوليو (تموز) أي بعد أربعة أشهر ونصف الشهر من إحالته على المعاش.
على أن هذه الحياة الموجزة التاريخ كانت زاخرة بفيضٍ قوي من حيوية هي التي أوحت لحافظ شعره كله، وشعره هو المظهر الأول والآخر لحيويته، فمن شاء أن يلتمس ترجمة نفسه ففي هذا الشعر عليه أن يلتمسها، وأنه لواجده تسري فيه أوله إلى آخره وحدةً واضحة الحدود بنية المعالم منطقية الخطوات.
إذ ذاك تتكشف هذه الحياة الساكنة الموجزة التاريخ في ظاهرها قلقةً حافلة، تزخر بالآمال الضخمة حيناً لتتحطم على صخرات اليأس حيناً آخر، تثب يحدوها الطموح إلى غاية، ثم ترتدّ كسيرةً قعدت بها المقادير دون درك هذه الغاية، تحلق في علوٍّ مرتفع فوق الناس جميعاً، ثم يجذبها الناس إلى الأرض بكيدهم وإحتيالهم فترتدّ من تحليقها بَرمِةً شديدة الضجر، تريد أن تسلك للمجد سبيل الكمال فإذا صورة المجد التي تريدها حافلة بالجاه والمال وعلوّ المكان وإعجاب الناس جميعاً لا تتحقق كاملة، بل تظلّ ينقصها المال أو ينقصها الجاه مما يستمتع به الأغنياء الأغبياء، وذوو الجاه الجهلة الأدعياء، فتسأم هذا المجد وتسأم الكمال الذي تريد أن تتخذ إليه سبيلاً.
ترتسم أمامها صورة الوطن كما يجب أن يكون الوطن حرّاً سعيداً عزيز الجناب، فإذا في هذا الوطن نفوس ضعيفة تقعد به دون درك الحرية... تهتز فخراً بالشرق وبالإسلام الذي نشأ في هذا الشرق ثم أظلّ العالم بحضارته، وباللغة العربية التي ألبست هذه الحضارة ثوب جلالها، ثم يدور حافظ في أنحاء هذا الشرق فإن الغرب متحكم فيه ظالم له، فيضطرب بين لعنة الشرق لجموده، ولعنة الغرب لظلمه ووحشيته وجحوده.
ويظل حافظ كذلك سنين متعاقبة حتى يبلغ اليأس عنده الرجاء، فلا يأبى أن يلقي عصا التطواف ليستريح موظفاً في دار الكتب، يظلّ فيها عشرين سنة مكتفياً من شعره بالقليل ينشره على الناس أو يلقيه في مناسبات خاصة، وبترجمة بعض الكتب، ويخرج إلى المعاش بعد أن سلخ في راحته هذه العشرين سنة فيغادره الأمل ويعاوده الطموح فيحمل قيثارة الشاعر من جديد يريد أن ينشد عليها أشجان وطنه، لكن الراحة الكبرى كانت تنتظره، ومقرّه الأخير قد كان هيأه له القدر ينام فيه النوم الهادئ الطويل...
هذه الصورة الحافلة من حياة نفس حافظ هي ما أراد الدكتور محمد حسين هيكل إبرازها مستعيناً لهذه الغاية بشعره، وذلك إنطلاقاً من حرصه على ان حياة حافظ على ما هي ظاهرة في شعره تمثل عصراً كاملاً من عصور حياة مصر العامة.
وإلى هذا، فإن مرثاة الدكتور هيكل تأتي ضمن المقالات التي ضمها هذا الكتاب والتي رثى فيها مجموعة من الأدباء الشاعر حافظ إبراهيم؛ بالإضافة إلى ذلك ضم الكتاب قصائد الشعراء فيه، ثم قصائد لم تنشر للشاعر في ديوانه، وتلى ذلك أيضاً مقالات لمجموعة من الأدباء جاءت لرثاء الشاعر أحمد شوقي، كتب انطوان الجميّل تحت عنوان "شاعرية شوقي ومميزاتها": منذ خمس سنوات وبعض السنة، اجتمعنا في هذا المكان نفسه لتكريم شوقي - واشتركت معنا وفود الشرق العربي في ضفر إكليل الغار على مفرق أمير الشعراء كما هي تشترك معنا اليوم في نثر أزاهير الذكرى على قبره، وكأني بالفقيد الكريم ماثلاً كالأمس في مقصورته هذه، وكأني بالفقيد العظيم الآخر حافظ إبراهيم متقدماً منه باسطاً يده إليه وأجواء هذه القاعة تردد بين التصفيق والهتاف صدى صوته الفخم: أميرَا القوافي قد أتيت مبايعاً... وهذي وقود الشرق قد بايعت معي.
أما الفرق بين حفلتنا هذه وحفلتنا تلك، فالفرق بين نشوة الحياة وهمدة الموت، بين بهجة الأعباد وخشوع المآثم، ولئن قصر خطيب اليوم عن خطيب الأمس، فمعذرة اليراعة والقوافي... جلال الرزء عن وصف يدقّ، حديثي معكم أيها السادة عن (شاعرية شوقي) أو عن (شوقي الشاعر) وهل كان شوقي في حياته إلا شاعراً؟... وهل يبقى منه بعد مماته غير الشعر؟ بضعة أسابيع فقط مرت على وفاته، وها قد نسي كبير موظفي المعية وحامل الألقاب الضخمة من الدولة العلية.
واضمحلّ صاحب الثروة والجاه والنفوذ، وعفا أثر العضو بمجلس الشيوخ فأصبحنا ولا نروي عنه إلا ذلك الشعر الذي أرقص وأطرب، ولا نذكر منه إلا ذلك الشاعر الذي نظم فأعجب، ولقد أدرك ذلك هو نفسه إذ أنشد يوم كان صاحب الصول والطول: شاعر العزيز وما... بالقليل ذا اللقب ويوم قال بعد منفاه: ما مات من حاز الثرى آثاره... واستدلت الدنيا على آدابه، بل غالى حتى رأى الشعر مبعث كل نهضة قومية: لم تثر أمة إلى الحق إلا... بهدى الشعر أو خطا شيطانه... بل زاد في الغلوّ فقال: أنتم الناس أيها الشعراء: حمل قيثارة الشعر وهو غلام يافع - ولم تقع من يده إلا صبيحة وقع صريع الردى - ولقد ظل بين العهدين ما يقرب من نصف قرن يخرج منها أعذب الأنغام وأشجاها حيثما كان وكيفما كان - في مواقف الروع ومواقف الحروب... لم يشد إلى قيثارة الشعر وتراً جديداً، ولكنه عرف أن ينطق الأوتار القديمة بنغمات جديدة مستعذبة...
يتابع أنطوان الجميّل رثائه للشاعر أحمد شوقي، مستشهداً بشعره، وقد اتسعت هذه المرثاة فاستوعبت معظم الأغراض التي طرقها الشاعر في قصائده، هذه المقالة وغيرها من المقالات ضمها هذا الكتاب في رثاء الشاعر أحمد شوقي، جاء بقلم مجموعة من أدباء عصره، بالإضافة إلى ذلك كانت هناك مساحة لقصائد الشعراء فيه ولأشعار له لم تنثر في ديوانه.
وأخيراً جاءت خاتمة الكتاب بآراء حول الشاعرين حافظ إبراهيم وأحمد شوقي بأقلام كلّ من إبراهيم عبد القادر المازني، أحمد حسن الزيات، خليل مطران، طه حسين وأخيراً محمد سعيد الأفغاني. إقرأ المزيد