تاريخ النشر: 19/10/2015
الناشر: المؤسسة العربية للدراسات والنشر
نبذة نيل وفرات:"أسرعت إلى غرفة النوم وفتحت الخزنة لأجد فيها مبلغاً من المال، وتحته ملف يحتوي على حزم من الأوراق مرتبة بعناية، وضعت المبلغ فوق الخزنة، فاتضح الملف، كان قد خط في أعلى غلافه الأمامي بخط واضح كلمة (رواية)، نقلت نظري إلى أسفلها، كان العنوان هو الآخر مكتوب بالقلم الجاف وبحروف ...كبيرة (ثلاثية اللوحة الفارغة).
تذكرت ما قاله لي بصدد روايته الجديدة وعنونتها وفصلها الأول الذي قرأته في أيام علاقتنا، الأولى، نادانا الخال مرة أخرى، أخذت المبلغ وضعته في حقيبتي وأخرجت ملف الرواية من الخزنة بحذر، سحبتها بأناملي برفق وكأني ألمس جزءاً منه: يديه أو كتفه... أو شعاع نظره بعدما يتقاطع مع شعاع نظري، وضعتها على صدري، شممت رائحته وأحسست بأنفاسه وهي تقترب مني، فتحتها بحنان أمام وجهي وتأملت فيها مدة، ثم وضعتها تحت ذراعي وعدنا سوية، كأنه يرافقني متأبطاً ذراعي وخطواته توافق خطواتي، نزلنا مسرعين بعد أن أغلقت الخزنة والغرفة.
في الطابق السفلي رحت أبحث عن شيء أفتقده، وما أن وقعت عيني على اللوحة التي رسمها لي رفعتها عن الأرض ومسحتها بمنديل ورقي وأخذتها هي الأخرى... حالما وصلت البيت دخلت غرفتي وأغلقتها علي، لم أبدل ملابسي، ولم أخلع حذائي، كانت بي رغبة ملحة لقراءة الرواية لم أستطع منعها، كأني في موعد حب ولقاء معه طال إنتظاره، وحققته الساعة بشغف.
تناولت مخطوطة الرواية، قبلتها أولاً وبدأت أتصفحها بلهفة، وفي أول صفحة كان قد كتب الإهداء، وما إن قرأته هطلت دموعي شلالاً حتى كادت تتلف الكلمات، استأنفت تصفحها حتى آخر ورقة قرأت ما كتب فيها: سأتوقف هذا اليوم عن الكتابة حتى إشعار آخر، وأتفرغ لإنجاز ما يتطلبه زفافي من تحضيرات...
اليوم الذي انتظرته من أعوام خلت للقاء فتاتي الرائعة، والإنسان التي بادلتني مشاعر الحب بكل صدق، وقد أحببتها من كل جوارحي، تلك هي زينب التي منحتني فرصة العيش والحياة من جديد.
هكذا توقف عن الكتابة في روايته التي لم تكتمل بعد، ووضع التاريخ تحتها 2006/2/7، ولما تخلى المساء عن ضيائه علقت اللوحة على الجدار في غرفتي أمام سريري... ثم تراجعت عنها خطوات أتأملها لفترة، ثم استدرت صوب مكان الرواية، تناولتها واستلقيت على السرير، تفحصتها أولاً، ثم سهرت معها الليل بطوله وأنهيت قراءتها عند الصباح، نادتني الوالدة لتناول الفطور، لم أرد عليها، حسبتني نائمة وتركتني وشأني، عشت أحداثها، وأخذت بإيقاعها وذبت فيها، لم تكن تلك الساعات هي الوقت الحقيقي الذي قطعته معها، كانت أكثر من ذلك بكثير، قد تمتد عمراً بحاله، خمسين عاماً أو أكثر بحلاوته ومرارته وفرحه وترحه، كفيلم مصور هو البطل فيه وأنا المشاهدة له... آه كم الحياة قصيرة ومختزلة، فإنها لا تمنحنا الوقت اللازم والزمن الكافي لتحقيق رغباتنا والعيش مع أحبائنا لنستوفي غاية الحب معهم... فكيف إذا سرقتهم من أول لقاء ونحن بعد في بداية الطريق؟!...
هل من المحتوم علي أن أعيش حياته؟ وهل من المصادفة لقباه وإقتراني به... نعم كان مختار بالنسبة لي: الأب، والأخ، والزوج... إذن كيف لي أن أصف الحب الذي كان بيننا..."... هي زينب... وهو مختار... جمعت بينهما الأقدار في مكان العمل "مديرية السياحة والإصطياف" حيث جاءت لتعمل هناك كمترجمة، فكانت كمن بعث الحياة في جسده من جديد.
هي ذاك الوجه الذي أضفت على تلك اللوحة الفارغة التي رسمها لون الحياة، ثلاثة وجوه أحبها مختار: مريم الوجه الأولى، وديدكا الوجه الثاني... وهي زينب الوجه الثالث... الوجه الذي أحبه أكثر وبصدق، والذي كانت صاحبته تمثل الحب الحقيقي بالنسبة له... فكانت إختياره الأول في سياق السلم التسلسلي في العاطفة الصادقة... لم يمهله القدر... إذ لم يكن قد مضى على زواجه من زينب سوى فترة قصيرة جداً حتى لقي مصرعه في عملية تفجير طالت منزل الزوجية... وهكذا تعيش زينب وهج مختار من خلال تلك الرواية التي لم يتمها... والتي كان عليها كتابة نهايتها في حضوره الغائب. إقرأ المزيد