السماع الطبيعي من كتاب الشفاء لابن سينا
(0)    
المرتبة: 28,107
تاريخ النشر: 01/01/1996
الناشر: دار المناهل للطباعة والنشر والتوزيع
توفر الكتاب: نافـد (بإمكانك إضافته إلى عربة التسوق وسنبذل جهدنا لتأمينه)
نبذة نيل وفرات:تتميز كتب الشيخ الرئيس ابن سينا بأنها خزانة خصية بحت، لا تضمّ سوى ما دونه وأملاه واستحلاه بنفسه، أو بمعاونةٍ من تلاميذه. ولا يحتوي، هذه الخزانة، مكان معين، بل هي موزعة في الآفاق منذ بدأت أنامل الفيلسوف تسجيل فِكَرَهُ الحكيمة، فكان منها صفحات معطّرة وعابقة بأريج هذا المنظر المبدع ...للفكر الفلسفي في الإسلام. وقد طرق الشيخ الرئيس في مؤلفاته جوانب متعددة من المعرفة، وأثار كثيراً من المشكلات المعقدة خلال دراساته لقضايا الفكر الفلسفي، سواء ما ينهض على الباطن أصلاً، أو الظاهر وجهاً، فكلاهما يرتبطان برأيه بوشائج من القربى تمدّ بعضها الأخرى بروافد لا تنقطع مع العلم الإنساني، فقد ألف في علم المنطق وعلم الطبيعة وعلم النفس، وكتب كذلك في الإلهيات ومشكلاتها المستعصية، وفي الرياضيات، وأنحى نحو الفلسفة العملية، فدوّن رسائل متفرقة منها. ولعل أجمل هذه المجاميع والفصول والمختصرات، من الوجهة الفنية والأسلوبية، مكاتباته ومراسلاته التي هي عبارة عن عجالات تتميز بالدقة والطرافة والغموض أحياناً. وهي رقع موجهة في جزازات ورقية إلى بعض أصدقائه وتلاميذه وخلّص أصحابه.
هذا وإن جلّ ما ألّف ودوّن ابن سينا في الفلسفة والعلم كان باللسان العربي المبين؛ إلا ما شذّ من رسائل وكتب بالفارسية لا تتعدى بتداخلها وانتحالها (18 مخطوطة)، لعل أهمها في هذا المجال كتاب (حكمت علائي) الذي ألفه للأمير علام الدولة البويهي. ويأتي كتاب الشفاء، الذي يقدم نه في هذا المؤلف جزء السماع الطبيعي بتحقيق جديد، في مقدمة مؤلفاته الفلسفية التي تتميز مادة ومنهجاً، ويشتمل على موضوعات المنطق والطبيعة والرياضة والإلهيات، ويعدّ أكبر موسوعاته الفلسفية شكلاً ومضموناً. ولم يعرف أساساً معيناً لتسميته بالشفاء (وهي كلم تقال لكل ذي سقم إذا برئ من سقمه)، فلعله أراد شفاء العقل أو النفس مما يعتورها في هذه الحياة من شطط وانحراف وسذاجة. فيكون كتابه إذن (شفاء من كل داء!) والداء هنا داء العقل لا داء البدن. فالأول سبيله هذا، أما الثاني فسبيله كتاب (القانون في الطب).
بدأ ابن سينا في تأليف الشفاء حوالي عام 405هـ. وفي العام 412هـ توفي الأمير شمس الدولة حاكم همذان، فهجر الفيلسوف المدينة واختفى عن الأنظار لفترة من الزمان، أصر عليه خلالها تلميذه ومرافقه الجوزجاني إكمال مشروعه الفلسفي، فأتمّ القسم الطبيعي ومنه كتاب "السماع"، الذي يقدم محققاً للباحثين والدارسي،ن ثم تقطعت بابن سينا الأسباب، فذهب إلى أصفهان، وبدأ هناك تدوين موضوعات الميتافيزيقيا والمنطق. ويبدو أنه انتهى من الشفاء حوالى عام 418 للهجرة، بعد أن صرف ما يقرب من (12) عاماً متقطعة غير متواصلة في تأليفه وتصنيفه. ويتميز كتاب الشفاء بأنه نسيج وجده في منظومة الكتب الفلسفية بين القدماء؛ سواء عند اليونانيين أو الإسلاميين؛ من حيث منهجه وتناسق نظمه، ومن حيث كونه وحدة فلسفية متكاملة، فليس هو بشرح أو تعليق أو تلخيص؛ فإن هذه جميعها مرفوضة أصلاً في حكم مؤلف الكتاب نفسه.
ومن طريف ما وجد المحقق، إن الشيخ الرئيس لا يعدُّ الشفاء من كتبه الضحية!.. حيث يقول في فزلكة الجملة الأولى: "وهذا الكتاب، وإن كان صغير الحجم، فهو كثير العلم". هذا ويتصف أسلوب الشفاء بنحوٍ من التعقيد، يختلف شدة وخفة حسب موضوعاته. وعلى نحو آخر، فإن الشفاء السينوي يمثل قمة من قمم الذاتية الفلسفية في إنتاج الأستاذ الرئيس، ولا تخلو طريقته التي سلكها في صورتين رئيستين، الأولى بالوسائل التي تبناها الفيلسوف من مناهج القدماء وتقسمياتهم وتفريعاتهم للفنون الفلسفية... أما الثانية؛ فتمثلت بالاتجاهات الفكرية التي مارسها تركيباً وتحليلاً، ثم حاول أن يستقي منها ما اختار من آرائها ومواقفها... فكانت الصورة الأولى أكثر تعاملاً مع الشكر، بينما الثانية أكثر تعاملاً مع المضمون. لهذا يجد الباحث أن أكثر ابتكارات الفيلسوف تمثلت في الصورة الثانية كمّان وكيفاً. وأن الصورتين اللتين تعامل معهما الحكيم، سواء في حال النقض أو الإبرام، تستوعبان في منهجه الينابيع التي تأثر بها. إقرأ المزيد