الموروث الديني في غزل العباس بن الأحنف - دراسة مقارنة
(0)    
المرتبة: 169,741
تاريخ النشر: 01/01/2011
الناشر: دار وائل للطباعة والنشر والتوزيع
مدة التأمين: يتوفر عادة في غضون أسبوعين
نبذة نيل وفرات:العباس بن الأحنف... شاعر الغزل الموحد المتوحد في الحب، وأحد شعراء القرن الثاني الهجري، قرن الحضارة والرفعة والرقيّ والعلم والفن والثراء والإنفتاح والتحرر والإلتزام.
عصر العباس بن الأحنف وبشار بن يرد وأبي نواس وأبي العتاهية... إنه عصر هارون الرشيد الذي رافقه العباس ثلاثاً وعشرين سنة رفقة ألفة لا رفقة إتصال ...وتكسب هي مدة حكمه، وهو عصر ابنه المهدي.
كان العباس شاعراً غزلاً ظريفاً مطبوعاً، وله مذهب حسن، ولديباجة شعره رونق، ولمعانيه عذوبة ولطف، وكان من الظرفاء ولم يكن من الخلفاء. وكان ظاهر النعمة، ملوكيّ المذهب، شديد الترف، وكان قصده الغزل، وشغله النسيب، وكان حلواً مقبولاً غزلاً غزير الفكر، واسع الكلام، كثير التصرف في الغزل وحده، ولم هجّاءً ولا مدّاحاً.
أما العفة، فهي طبيعة شعر العباس، وقد ارتقى بها شعره في خضم أجواء فاض فيها الكلام عن الغلمان والتغزل بهم، ووقف شعره كله على محبوبة واحدة وحيدة فاز بها قلبه، وتربعت فيه بدلّ الحب ودلاله؛ حتى باتت هي الفرح والحزن، وهي الأمل والألم، وهي السرّ وليست العلن، هي فوز الرمز، وهي ظلوم وظليمة، وذلفاء ويسمر ونرجس، وهي في مجموعهنّ واحدة هي من أجلها وعاش معها الحب جنيناً وفتيّاً قويّاً حتى آذان بالغروب.
ليس للشاعر إذاً وسط عذابات الحب وسهره ودموعه ومعاناته وهجره وصدّه، وفراقه ولقائه إلا أن يفزع إلى رحمة الله الرحيم، يشكو إليه ويدعو ويبكي ويتوسل ويبتهل، فلعلّها ولعلّه - ولسان حالة يقول: [إلى الله أشكو إنه موضع الشكوى... فقد صدّ عني بالمودة من أهوى].
والعباس هو المستجير بالله الشاكي إليه [إليك أشكو ربّ ما حلّ بي... من ظلم هذا الظالم المذنب]... وهو المستنصر بالله إذ يقول: [نصيري إلاّ منك إذا اعتديت... وقد عذبت قلبي إذ جفوت]...
ويكاد الأثر الديني يكون أبرز هذه النفحات التي يُلوَّن بها شعر بها شعر العباس؛ وهو يشف بذلك عن تحويمات في أركان الأسلام وأركان الإيمان التي يبثها في شعره؛ فالصلاة والصيام والزكاة والحج، والإيمان بالله تعالى وكتبه ورسله واليوم الآخر والقضاء والقدر، والثواب والعقاب والجنة والنار كلها في ثنايا غزله، مما يجعل القلوب تهفو غير وانية إلى هذا الغزل الحَيِيّ حتى في أدق مواقفه، وتسمو معه الأرواح إلى عالم العفّة والصدق والحلم.
كما يطوف بنا ابن الأحنف في أجواء ثوراتية كانت جزءاً من علوم عصره ومعارفه، فنمو الحضارة يستدعي هذه المعارف الكثيرة من: فارسية، ويونانية، وهندية، وعربية وثقافات دينية؛ منها اليهودية والنصرانية والإسلام، وللمثل في شعر العباسي حيّزٌ تجسدت من خلاله أحاسيسه ومشاعره التي كانت تنمو نموّ طفل يفع، وشبَّ وشاب وذاب وتلاشى، مما يشعر القارئ بالحسرة والألم والوجع لما يؤول إليه الحب في قلوب أهله، بما يعتوره من أمور زمانية تُغَيّرهُ وتُلوّنهُ وتقوّيه حيناً وتضعفه أحياناً، ولكنها الحياة هي الحياة، وأبرز تأثر تأثره العباس هو القرآن الكريم، مما يدلّ على أهل ذلك العصر وكل عصر، ممن لا تكتمل ثقافتهم إلا بكتاب الله تعالى؛ فهماً ووعياً وتدبراً وتلاوةً، ومن ثم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم...
وهكذا تمضي الباحثة مع تأثر العباس متدرجة مع نمو هذا الحب، وتطوره، ثم إلى ما آل إليه فهو منها، وهو ممن يحبها... يضعف ويضعف حتى: [خفضت لمن يلوذ بكم جناحي... وتلقوني كأنكم غضاب] يلوذ بقوله سبحانه: ﴿وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنْ الرَّحْمَةِ...﴾. [سورة الآسراء الآية: 24].
تمضي الباحثة منتقلة من روضة إلى روض من رياض شعر العباس، لتقطف منها أزاهير وتجمعها باقات ضمّها الكتاب بتحنان بين دفتيه... منتقية من غزل العباس بن الأحنف ما قارب الموروث الديني. في معانيه وتراكيبه وإستشفافاته، ولم يدعها ذلك غافلة عن تلك الإنعطافات نحو ما ورد في الأبيات الشعرية التي استشهدت بها من نكات نحوية ولغوية... وبلاغية... لتقدم بذلك للقارئ قراءة نقدية الشاعر عاشق معه ومع محبوبته "فوز" طويلاً في بغداد الرشيد والمأمون من خلال الكتب.. وبغداد آنذاك عاصمة أعظم عصور العربية وأبهاها وأزهارها لينتهي بها المطاف مع إنتهاء الوصل والوصال بين العباس وفوز... وليت الحال كانت غير تلك الحال وانتهى إليه من مآل... ولكنه الزمان.. وليس يُؤْمَل منه غير ما كان. إقرأ المزيد