القاضي عياض وجهوده الكلامية
(0)    
المرتبة: 56,173
تاريخ النشر: 12/05/2014
الناشر: دار النوادر اللبنانية
نبذة نيل وفرات:ترك التاريخ الإسلامي للمسلمين ثروة فكرية رائعة، كان وراءها علماء أجلّاء ومفكرين فضلاء، قلّما يخلو كتاب أو مرجع في العلوم الإسلامية من ذكرهم والإشارة بمكانتهم العلمية، وتمرسهم ورسوخهم في كثير من مجالات العلوم المختلفة.
من هؤلاء، المحدث الفقيه، والمتكلم الأصولي، والمؤرخ، وعالم اللغة، القاضي عياض اليحصبي، صاحب هذه الدراسة، والذي ...بلغت شهرته الآفاق، وكانت مؤلفاته وماتزال من أهم المراجع وأوثقها عند الباحثين المهتمين بالدراسات الإسلامية.
وإنّ كل من أتى من بعده استفاد من علمه وتحقيقاته وحسن ضبطه، واعتبر مرجعاً أساسياً لشراح الحديث الذين أتوا بعده كلإمام النووي (ن 176 هـ)، وابن حجر العسقلاني (ن 852 هـ)، وغيرهما، وكلما تخلو صفحة من صفحات "شرح مسلم" للإمام النووي من ذكره والاستشهاد برأيه، والإفادة من تحقيقه ، وهذا إن دلّ على شيء فإنما يدلّ على مكانته ومنزلته وثقة العلماء بعلمه.
والقاضي عياض هو الإمام الحافظ أبو الفضل عياض من موسى ابن عياض بن عمرون بن موسى بن عياض بن محمد بن عبدالله بن موسى بن عياض اليحصبي السبّي. والشيخ في أصله ينتسب إلى يحصب، وهي قبيلة من حمير سميت بإسم جدّهم يحصب بن مالك بن يزيد، ويحصب أخو ذي أصبح الحارث مالك بن يزيد الذي ينتهي إليه نسب الإمام مالك بن أنس الأصبحي. فالقاضي عياض يمت إلى الإمام مالك بصلتين: صلة المذهب الفقهي الذي دان به سكان المغرب، وكان القاضي عياض من أبرز أعلامه وأشهرهم، والأخرى صلة القربى والانتساب إلى قبيلة حِمْيرَ من عرب اليمن، ذات الصيت الذائع في التاريخ الإسلامي. فهو عربي الأصل والأرومة، استقر أجداده قديماً في الأندلس بجهة بسطة، ثم انتقلو الى مدينة فاس، وذُكر أنّهم استقروا في القيروان.
وكان لأجداد القاضي عياض مكانة علمية وأدبية ظاهرة في مدينة فاس. كانت ولادته 476هـ في مدينة سبته. نشأ القاضي عياض في هذه المدينة في بيت علم و دين. تلقى العلم عن شيوخ سبتة، فحفظ القرآن، وجوّد قراءته بالسبع، ونال درجة من العلم والأخذ عن مشيخة بلده.
وقد أكرم الله القاضي بكثير من مكارم الاخلاق والصفات الحميدة. وكان متواضعاً، حسن العِشرة، وقوراً، حليماً، ورِاً، فلقد ترك له والده الكثير من المال لكنه لم ينشغل به؛ إنما اشتغل بالعلم. وكانت أوقاته مقسّمة بين القضاء والتأليف، والإقرار لما يرويه ويؤلفه، وكل ذلك لوجه الله تعالى. تُوفيَّ القاضي عياض سنة 544 هـ ودُفِنَ في باب إيلان في مراكش.
هذا ويُعتبر القاضي عياض من الموسوعات المعرفية على مستوى تاريخ الأمة الإسلامية، يتكلم بكل علم من العلوم، حتى كأنه متخصص فيه وحده. وقد أشار المترجمون للقاضي إلى موسوعته المعرفية، من ذلك قول الحافظ ابن كثير: "كان إماماً في علوم كثيرة؛ كالفقه، والحديث، والأدب، وأيام الناس".
وقد أسهم القاضي في إثراء المكتبة الإسلامية نحو لغات قيّمة في فنون متعددة، له تصانيف في كلّ من العلوم التالية: الحديث، الفقه والأحكام، العقيدة، السيرة النبوية، القضاء والسياسة الشرعية، التراجم والرجال، التاريخ، اللغة والآداب.
من هنا تأتي أهمية هذه الدراسة التي تتناول الباحثة من خلالها القاضي عياض نظراً لما لآرائه العقدية من أهمية كبيرة من حيث كونه محدّثاً ومفسّراً ولغويّاً، فهذه المجالات التي تمكّن منها تعطي بالموضوع تلك الأهمية من حيث التكامل والتناسق والعمق، بلإضافة إلى ما لموضوع العقيدة من أهميّة لكونها أساسية في حياة الإنسان.
أمّا المنهج الذي اتبعته الباحثة في دراستها هذه فقد اقتضت طبيعة الموضوع أن يكون المنهج متعدداً وليس واحد بما يعني ذلك الاستفادة من المنهج التاريخي الوصفي في جميع المادة العلمية، واستقصاء الأخبار، ونتبع جذور نشأة المسألة وتطورها، وأبرز القائلين بها، بلإضافة إلى تطبيقها المنهج النقدي لفحص المادة العلمية، والتأكد من صحتها ودقتها، وحسن الربط بينها، ودفع التعارض، ثم الاستعانة بالمنهج المقارن الذي يحاول بيان أوجه التشابه أو الإختلاف بين مواقف القاضي عياض وغيره من العلماء، ثم استخدام المنهج التحليلي والتركيبي في دراسة المسائل عند القاضي عيّاض، والتأكد من صحتها ودقّتها، وتقييّم آرائه، وتوضيح الرأي فيها. وقد ألزمت الباحثة نفسها بالموضوعية عند عرضها لآراء القاضي، مبينة ما له وما عليه، وجاءت الدراسة ضمن مقدمة وفصول سبعة وخاتمة.
عرضت الباحثة في المقدمة لأهمية الموضوع وأسباب اختيارها له. وأمّا الفصول فقد جاءت عناوينها على التوالي: 1- حياة القاضي عيّاض ومنهجه، 2- الأسماء الحسنى والصفات ومعانيها عند القاضي عيّاض، 3- صفات التنزيه، 4- الصفات الخبرية والأحاديث الواردة فيها وشرح القاضي عياض لها، 5- عقيدة النبوة، 6- السمعيات، 7- الإيمان والإمامة.
عرضت الباحثة لذلك كلّه في سياق ما جاء عند القاضي عيّاض في تلك المواضيع. وأخيراً تحدثت في الخاتمة عن أهم النتائج التي توّصلت إليها هذه الدراسة، وأبرز مواقف وآراء القاضي عيّاض الكلامية. إقرأ المزيد