المبرومة ؛ مختصر طيور الهوليداي إن
(0)    
المرتبة: 64,003
تاريخ النشر: 20/08/2014
الناشر: دار التنوير للطباعة والنشر
نبذة نيل وفرات:"آل صعب، الطابق الثاني. تتخيتة، تأخروا في اكتشافها، ضيقة كالصندوق، تعلو الحمّام الفرنجي، شبه خالية. لا يكفي أن تحني ظهر هنا. هذه ليست تتخيتتة المطبخ، عليك أن تدبّ على أربع. لعلها بنيت للأقزام. الطريف أنها رغم ضيقها مزودة بنافذة شرقية لم تتحطم بعد.. يقرقع لوح الزجاج ويهتز الإطار الخشب ...كلما قصف المدفع المستجد عند كعب "نزلة المبرومة" المهجرون الذين يسكنون أسفل الحي لم يشكلوا لجنة تمثلهم وتقصد بيت الكتائب المركزي كي تتلمس في القيادة نقل الموقع إلى نقطة أبعد، مع أنهم يخافون أن يقصفوا عند اكتشاف المريض من قبل العدو لم يقلدوا سكان عبد الوهاب الانكليزي ولا أهالي الرحيل ولا تجار السيوفي، كانوا مكتفين بالأرض المشاع التي نالوها، ويدينون للكتائب وخصوصًا الشيخ بشير بأكياس الترابة التي وزعت بلا ثمن.. ظهر بينهم من جادل المقاتلين وطلب منهم مباشرة نقل المدافع إلى مكان بعيد عن البيوت. لكن هذه الأصوات القليلة المعارضة سرعان ما سكتت: يجوز أن يُتّهموا بالتعاطف مع اليسار، خصوصًا أنهم تكلموا من قبل (في ليلة شديدة السخونة) عن دور الكتائب في تهجيرهم من منازلهم الأصلية. السيد ملحم صعب حفظ مسافة بينه وبين الصراعات الدائرة في حيّ العبد. تجنب قدر الإمكان الإنحدار في تلك النزلة التي تعج بالأكواخ والنساء القاعدات على الطريق يطبخن وينفخن ويتبادلن الضحك والصراخ... لم يجد هذا شيئًا ظريفًا لأنه رأى ما ينشب أحيانًا من بين هذه البيوت. لم يبدل قراره حتى بعد احتراق سوق الصاغة: في أول فرصة ممكنة عليه الانتقال من هنا وتأسيس محل في مكان مقبول.. شعر السيّد ملحم صعب بالصدمة والحزن وهو يسمع الراديو. لم يكن يعرف القتيلة (الست ليندا جنبلاط شقيقة كمال جنبلاط) ولا رآها مرة واحدة في حياته. لم يكن حتى يحب كمال جنبلاط. لكنه انزعج وشعر بالحاجة إلى البقاء وحده في غرفة مقفلة. في المساء قالت إذاعة "صوت لبنان" أن الشيخ بشير الجميّل اتصل بالسيد جنبلاط وعزّاه. حاول ملحم صعب أن يفهم شيئًا لن يقدر أبدًا أن يفهمه، مع أنه سيعيش حياة طويلة: كيف يتكلمون مع بعض على التلفون أو يرسلون رجالهم للقتال ثم يلتقون من جديد كي يشربوا القهوة أو يتناقشوا في الدستور! كان خبيرًا في الذهب والفضّة والمعادن ويستطيع بنظرة (من دون ميزان ولا عدسة مكبّرة) أن يخبرك سعر هذا الخاتم أو تلك الإسوارة. لكنّه لم يفهم هؤلاء النّاس. ملحم صعب لم يجرّب حتى أن يتخيّل الشيخ بشير وهو يتكلّم في عرفة ثم يضع سمّاعة الهاتف ويبدو متوترًا ضيق الصدر. كانت محادثة قصيرة (أقل من دقيقتين) بين عدوين قتيلين. لم يكن الشيخ بشير يعلم عندئدٍ أن كمال جنبلاط سيقتل بالرصاص في 16 آذار (مارس) 1977 وهو ينحدر مع مرافقيه بين بساتين زيتون في سيارة عاديّة غير مصفّحة على طريق بعقلين – دير دوريت – بيروت. ولا كان يتخيّل أنه هو نفسه سينتخب عقب الاجتياح الاسرائيلي رئيسًا للجمهوريّة اللبنانيّة كي يتكلم عن لبنان واحد مستقلّ مساحته 10452 كيلومترًا مربعًا، ثم يقضي (قبل تسلم مقاليد الرئاسة) عن 34 عامًا تحت أنقاض بيت الكتائب (الأشرفيَة)، في انفجار 14 أيلول (سبتمبر) 1982..."المبرومة" التي تحتضن شقتها معظم شخصيّات هذه الرواية كانت تسمّى بناية العبد لأن بانيها من آل العبد اللبنانيّين الذين هاجروا ضمن الهجرات الشّاميّة إلى بلاد المكسيك في نهاية القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، ورجع قسم منهم إلى بيروت بعد أن أصاب ثروة. أحد هؤلاء قدّم سنة 1933 إلى بلديّة بيروت الساعة المشهورة ذات البرج الحجري القائمة هذا اليوم في ساحة مجلس النوّاب (النّجمة) والتي تسمّى ساعة البرلمان، والعامّة تسميها ساعة العبد، قريبه الذي بنى حي الأشرفيّة الراقي عمارة مستديرة عالية.. أخذ رخصة البناء قبل أن تشقّ البلديّة الشارع المذكور.. لكن شهرة الحي الفعليّة لم تسطع الا بعد اندلاع الحرب الأهليّة بتدفق المهاجرين إليه-مع انتشار المذابح والفرز السّكاني-في أحياء أخرى. ومن الجنوب والشمال والجبل والبقاع... مال باعة الخضر والسّمانة إلى الإشارة إلى البناية باسم "المبرومة" وسمّوا الشارع المنحدر بين أكوام البيوت "نزلة المبرومة" ".
رواية تطل بأحداثها لتفتح جرحًا عميقًا في ذاكرة السّنين... هي الحرب التي أطلق عليها الحرب الأهليّة اللبنانيّة زوراً وبهتاناً... يأخذك الكاتب لتقرأ في ذاكرة ذاك الماضي من خلال استحضاره لعائلات جمعهنّ همّ كون كل واحدة من تلك العائلات إنما هي ضحيّة تلك الحرب العبثيّة التي حدثت في مكان ما في زمن ما وما زالت تحدث في أمكنة وأزمنة.. تتغيّر الشعارات.. تتغيّر الأمكنة.. تتغير الأزمنة والأسماء و و و، ولكن الضحايا لم تتغيّر أسماؤها.. لأن الضحايا هي الشّعوب.. يأخذك الكاتب في رحلة تاريخيّة موثّقة لتطل من خلالاها على ذاكرة التاريخ.. تسترجع الأحداث.. تتذكّرها إن كنت واحداً ممن كان قد كتب عليهم معاناة تلك الحرب.. وتتعظ من درسها وتجري اسقاطاتك على الحاضر لتقي بأن التاريخ يعيد نفسه في أماكن أخرى. إقرأ المزيد