تاريخ النشر: 03/07/2014
الناشر: المؤسسة العربية للدراسات والنشر
نبذة نيل وفرات:"قالت: وماذا ستعزف على قيثارة ذلك التاريخ لو قدر لك العزف عليها...؟ قلت: سأعزف عليها معزوفة الملكة بلقيس... ملكة بلا منازع دون أن تدخل أي بلاط ودون أن ترتع في أورقة الخلافة كالجواري... فهي ليست كاهنة سومرية تجول في أبناء الأطلال الدائرة... لكنها بلقيس الرائعة... سومرية حالمة... ها أنت ...تغسلين كعبيك الرائعتين بهذا النهر المقدس... وها أنت ذا معزوفة نهر دفاق يحتوينا معاً فوق ضفافه... يكفي أنني مدين لك يا سيدتي بهذا الإيواء وهذا الملاذ بالقرب منك... رغم أنني أعتبر الإيواء والملاذ الماديين ليسا مقياساً للإيواء النفسي والروحي... فأنا نتاج لمأساة طفولة مشردة... يتيم دون أن أكون يتيماً... طفولة يائسة مبكرة... فكنت أنت الشخص الآخر بعد لبنى الذي جعل من وجودي شيئاً له طعم وله معنىً...
دعيني أسرد لك عن نفسي لحناً من قصيدة مبعثرة لرجل منفي من ذاته ومن حقيقته... بل منفي حتى من أوجاعه... أنه أنين بلا صدى ورجل بلا إطار... يرتق عالمه الممزق ويبحث عن حلمه المسروق... رجل يسكن في مستقبل محنط... مستقبل بلا ماض وبلا حاصر... مستقبل مسبق الصنع وجاهز الإعداد... جاهز كالوجبات السريعة... طبخوه على عجل من أمرهم... ثم وضعوه مع ماضيه ومع حاضره في متحف أمته التي تقول الشعر وتنظم القصيد... إنه أنا يا بلقيس... أتحسر على هذا الوطن وعلى مجرى مياهه...
كان فردوساً ففدا يباباً مقفراً... فلا أرى بين ضفتيه إلا تمثالاً محطماً ووثناً مكسوراً... وأرى تدفق مياهه تصب عند شطآن الخليج المبارك وهي تمسح بقايا الصنم المحطم والأثن المكسور... تتلف أشياءه وتتخلص من حوائجه ثم تمضي دون أن تلتفت وراءها بعد عملية تعقيم طهور... ليست هذا النهر الخالد يجرف معه كل التماثيل وكل الأوثان، قالت أنت عاشق جسور... لكن ألا تظن أن الصنم لا يصنع نفسه... أنه كتلة صماء لا تنفع ولا تضر... إنما العبرة بمن صنعوه وهابوه... ثم عبدوه...؟ قلت: رائع جداً أنك تعرفين الأخلاط والأوباشر... إنهم يستييحون الرموز ويغتالون الأوفياء... قالت متسائلة: لماذا قذفت بالأوسمة والنياشين من على صدرك في ذلك البرميل وكأنها بقايا... وكيف يمكن للأنواط أن توضع مع النفايات...؟ قلت: إنها ترف عسكري لا قيمة له: وهيبة كهنوتية رخيصة ينعم بها على إيقاع طبول العسكر فوق صدور والسفاحين... فلقد أصبحت الجناية تكريماً والتكريم في مواطنه الحقة جناية... إنها تشريع لجريمة القتل... إنها تشريع لجريمة القتل... وبينما نحن نتحاور على الضفاف الهاوئة كانت نترصدنا أعين المخبرين".
من الأنبار إلى الأغوار إلى حوران ثم إلى سهول البقاع وقبلها مدينة الرياض ليحط عصا الترحال في باريس مكنة اتسعت وأزمنة امتدت لتحتوي قصة مواطن افتقد موطنه ومعنى المواطنة الحقّة فيه... وفتاتان شكلتا طوق النجاة من كل ما اعتراه من أزمات حياتية ومع نفسه... ومع وطنه.
يفتتح المشهد على راوٍ يتحدث بشغف عن طفلته أوران التي جازت السنتين والتي كان يأخذها بنزهة على شاطئ الريفييرا وبصحبته زوجته بلقيس وثم صاحبه خلدون وزوجته الهام... شخصيات شكلت المحور الأساس في سلسلة أحداث تقاطع فيها الحب والكراهية... الحياة والموت... الإنتماء والضياع... الوطن والإغتراب الحقيقة والوهم... وأخيراً... وليس آخراً الإنسان ونقيضه...
كل ذلك في وطن هجرّ أبناءه الذين كان قدرهم مواجهة أقدارهم هناك حيث لا وطن. إقرأ المزيد