تاريخ النشر: 18/04/2014
الناشر: الغدير للدراسات والنشر
نبذة نيل وفرات:رزحت الكثير من الدول الإسلامية، كما العديد من دول العالم الثالث - حقبة من الزمن تحت نير الإستعمار الغربي، وهي الحقبة التي كانت لها تداعياتها الواسعة على مجتمعات تكلم الدول؛ لما أحدثته قوى الإستعمار من تغييرات جذرية على المستوى العمراني والبنية التعليمية والتنطيمية والخدماتية لم تكن معهودة قبل تكلم ...الحقبة، وهي تجربة بقدر ما حملته من سلبيات أثرت على تغريب الذهنية الإسلامية بصورة عامة، دفعت الكثير من حملة المشروع الإسلامي إلى الشعور بالمسؤولية المضاعفة نحو تجديد الخطاب الإسلامي المعاصر بما يتلاءم ومنافسة النموذج الغربي، منتجة ما عرف حينها بتيار الصحوة الإسلامية المساهمة البارزة في هذا الإتجاه، كانت الحوزة العلمية النجفية إحدى تكلم الحواضر العلمية، وبخاصة في الفترة التي وصفها العلامة الشيخ الفضيلي - صاحب هذا المؤلف - بالعصر الذهبي لمدينة النجف، حيث عَرَفَنْا في تكلم الفترة التي تزعّم المرجعية فيها السيد محسن الحكيم (ت 1390) حركة إصلاحية ونهضة علمية وفكرية واسعة، بلغت فيها "الذروة العلمية" التي وصلت إليها المدرسة الفقهية النجفية، فكان فيها من المجتهدين وأصحاب درس البحث الخارج العدد الكبير، وخرج من تحت أياديهم العدد الكبير من المجتهدين.
وفي هذا العصر كانت المؤلفات الموسوعية، من قبيل "المتمسك" للسيد الحكيم، و"موسوعة القدير" للشيخ عبد الحسين الأميني، و"الذريعة في تصانيف الشيعة" للشيخ آفا بزركَ الطهراني في 25 مجلداً، و"معجم رجال الحديث" للسيد الخوئي الذي طبع في أكثر من 20 مجلداً، و"القواعد الفقهية" للملا حسن البخوردي، حيث طبع في سنة مجلدات، ويعدّ أوسع كتاب في الوقاعد الفقهية لدى السنّة والشيعة، من حيث سعة البحث وعمته وجودته، وكتاب "الإمام الصادق والمذاهب الأربعة" للشيخ أسد حيدر في 8 مجلدات وغيرها من الموسوعات وإلى جانب هذا الإنتاج العلمي الواسع، شهدت النجف تجربة إصلاحية راقدة كانت الراقد الأساس لتيار الصحوة الإسلامية فيها.
وكان من تمظهراتها إنشاء كلية الفقه التي حاول مؤسسها الشيخ المظفر أن يساهم من خلالها في تطوير واقع الدراسة في النجف الأشرف بالشكل الذي يتماشى ومتطلبات الحياة المعاصرة، وهي ما فرضت رفدها بمقرّرات تتلاءم والغاية منها، فوضع كتابية "المنطق" و"أصول الفقه" ليكونا مدار الدرس حينها، ومن يشاركه العلامة الفضيلي، الذي وضع لمدارس جمعية منتدى النشر (الجمعية المؤسسة للكلية) كتاب التربية الدينية، وللكلية: خلاصة المنطق، ومبادئ أصول الفقه، ومختصر النحو، ومختصر التصريف.
وكانت تكلم التجربة الفنيّة بذرةٌ وطّن العلاّمة عبد الهادي الفضلي لها... فأنجز ما يزيد عن عشرين مجلداً من المقررات الدراسية التي تغطي معظم مساحة الدرس الشرعي في الحوزات والمعاهد الدينية الإمامية، فكتب في المعارف العقلية، وعلوم العربية وآدابها، وعلوم القرآن الكريم والحديث، وفي الفقه وأصوله، وفي مناهج البحث وأساسيات التحقيق، وغيرها.
وإلى هذا، فإن مجموعته الفقهية هذه التي بين يدي القارئ لعقدّ من أوسع تكلم المجموعات الدراسية، حيث تشمل في طبعتها الحديثة هذه مجلّدات عشرة، بدأها بكتابة مبادئ وعلم الفقه، ليتلوه بتاريخ التشريع الإسلامي، ودروس في فقه الإمامية، وخاتمتها: رسائل فقهية، وبالإضافة إلى سعة المجموعة من حيث الكلم، لا يخفى مدى الجهد الفكري والتنظيمي الذي بذله العلاّمة الفقيد في وضع هذه المجموعة، وبخاصة إنسجامها منهجياً مع ما كان ينادي به سماحته من ضرورة إعادة هيكلة الدراسات الفقهية لتنسجم والمنهج العلمي الحديث، وهو ما كان يعني به المزاوجة بين معطيات ذلكم المنهج الحديث في التبويب والتقسيم وطرائف الإستدلال، وبين معطيات ومبادئ الدرس الشرعي الذي يمثل المنهج النقلي عماد مسائله والمصدر الأساس في التشريع والتقنين فيه، إذ الوحي الإلهي مصدر أساس للمعرفة يماثل العقل والحسّ (التجربة) في القيمة والأهمية، إن لم يَفُقْهُما في بعض الوقت.
ويضاف إلى تلك المنهجية الجديدة في معالجة الدرس الفقهي: المادة الفقهية التي تتناولها أجزاء كتاب (دروس في فقه الإمامية)، ذلك أنه يمثل إستجابة لحاجة ملحة في الحوزات العليمة يشير إليها الشيخ الفضلي في أكثر من موضع أثناء حديثه عن حاجة المسلم المعاصر للمعاملات الحديثة، وأن يكون تعامله معها إنطلاقاً من الرؤية الإسلامية.
ذلك أن هذه المعاملات لا تشبه أيّاً من تكلم المعاملات المتداولة أيام، صدور النصّ الشرعي، ولا يمكن مقارنة كثير من المعاملات البنكية - مثلاً - مع المعاملات التجارية القديمة، إلا من خلال الإطّلاع الموسّع على الدراسات الخاصة التي ترتكز عليها العملية المصرفية العالمية اليوم، وذلك ليعطي الإسلام رأيه من خلال الإطلاع على الحقيقة الخارجية، وليس على الفهم العرفي القاصر.
وللوصول إلى هذه المرحلة، يجب أن يدخل هذا النوع من المعاملات الحديثة في الدرس الفقهي المعاصر، ويجب على الحوزات العلمية أن تقتحم موادّها الدراسية هذه المعاملات الحديثة؛ لتكون مجالاً خصباً للبحث والدرس والموازنة، وبدون ذلك ليس بالإستطاعة تلبية متطلبات العصر التشريعية، وهو ما طبقه في هذا المؤلّف، إذ بعد أن مهد لدراسة الفقه الإستدلالي في الجزء الأول، وعرض لنموذج لفقه العبادات في الجزء الثاني، خصص الأجزاء المتبقية للمعاملات التجارية القديمة والمستحدثة، حيث مثل الجزء الثالث بحوثاً تمهيدية للمعاملات المالية، قسمها إلى قسمين رئيسين، هما: القواعد والنظريات ذات العلامة بالبحث الفقهي المعاملاتي، ليتناول في الجزء الرابع مجموعة من المعاملات التجارية؛ مبتدئاً بالمعاملات القديمة، ليتلوها بالمعاملات المستحدثة، فيما ركز في الجزء الخامس على معاملات البنوك التجارية.
وتجدر الإشارة بأنه صدر الجزأن الأول والثاني من الكتاب جزءاً أول للطبعة الأولى سنة 1415هـ/ 1995م عن دار أم القرى بمدينة قم المقدسة، فيما صدر الجزء الثالث سنة 1419، والرابع سنة 1424هـ، وفي عام 1429هــ/ 2008م صدر الجزء الخامس والأخير مستقلاً بعنوان: معاملات البنوك التجارية، عن مركز النقاهة بالقطيف.
هذا وقد ارتأى المؤلف أن يعاد طبع الأجزاء الخمسة التي هي بين يدي القارئ، ضمن المجموعة الفقهية التي تضم بالإضافة إليه - الكتب التالية: 1-مبادئ علم الفقه بأجزائه الثلاثة، 2-تاريخ التشريع الإسلامي، 3-رسائل فقهية، وهي المجموعة الدراسية الرابعة التي تشرف على إخراجها وطباعتها لجنة مؤلفات العلامة الفضلي، ضمن مشروعها في نشر جميع مؤلفات الشيخ الفضلي. إقرأ المزيد