تاريخ النشر: 01/01/2013
الناشر: دار الفارابي
نبذة نيل وفرات:تقدم موسى نحوه وهو متردد، ليتملى أكثر من وجه إنسان لم يتغير فيه الكثير وجده لا يزال على ما كان يعرفه، مع أن ثمة تبدلاً طفيفاً بأن على إنفعاله من جراء الإطراءات المنصبة عليه، مع إحتفاظه بالبلادة نفسها التي كان يتقبل فيها شتم أمه وهو صغير، وأخذ يقارن بين ...الوقار الماثل أمامه في رجل سرق أضواء الحفلة...
وبين ذاك الصبي الذي كان يطاطئ رأسه، نزولاً عند رغبة رضوان في صفعه على قفاه، سخر من مفارقات الحياة، وعقد العزم على ألا يضيع فرصة الإستفادة من زميل طفولته، وفي اللحظة التي هم بإلقاء التحية عليه عاد وتراجع إستجابة لصوت كبريائه الذي دعاه إلى التروي لئلا يفرط فيها مجاناً، عاد أدراجه وهو مشغول بالتفكير من أين له هذا...؟.
انشغل موسى من بعدها بالتقصي للملة أخبار شخص، كان لا يتمتع وهو صغير بأية صنعة تحدونا إلى التوقع بأنه سيصير على هذا المستوى من الإقتدار والغنى، قصد مدرسته القديمة ناكثاً تعهده أمام نفسه ألا تطأ قدماه بوابتها، في آخر مرة خرج منها،... أعاده المكان إلى أيام طفولته المدموغة بجدران المدرسة ومقاعدها، وبرائحة الشقاء المبعثر على المراحيض وفي الصفوف.
تفتحت مسام وجدانه على ذكريات ماضٍ، لم تبارحه لحظة واحدة؛ إذ كان لديه لهفة جامحة لغبّ ماضيه بشهقة واحدة، زفرت بدلاً منها غصة مرّة، شرعت في التكون، منذ أن قرر التطهر من عذاباته في مدرسة، أضحت جزءاً من حياته المعجونة بالإضطراب والقلق اللذين صاحباه منذ أيام طفولته لفحت مشاعره نسمات تحفّز منذ لحظة ترجله من السيارة، فتلبسه الخوف إياه الذي كان يسيطر عليه حالما يتقدم نحو المدخل المزدان، مثلما كان، بتمثالين اثنين، واحد لمريم العذراء والثاني للسيد المسيح، أخذه صدأ البوابة المطلية باللون الرمادي إلى أيام زمان، فأحس بمهابة الصمت المشرع على عالم، أيقظ في داخله إرتباكاً وتوجساً غريباً... "بقي موسى وعلى مدى الزمن يحمل ماضيه في قلبه ووجدانه، ذلك الماضي بجميع مراحله وعذاباته وأفراحه وأتراحه بدءاً من شح عواطف أبوين لأن قدره أن يكون ترتيبه العاشر في أخوته حيث لم يكن للأم متسع للعواطف".
"فهذا مطلب غبي من أم ليس لديها متسع من الوقت ولا من الطاقة لتهتم بغير إطعام عشرة أولاد؛ قدر أصغرهم أن يولد مصاباً بعاهة الظمأ العاطفي" وينتقل من الميتم إلى المدرسة إلى الجامعة وفي كل مرحلة يحظى بأصدقاء عايشوه في مرحلة وعيه السياسي الذي تزامن مع الحرب الأهلية اللبنانية لينضم مع البعض منهم إلى الحزب الشيوعي... لتشهد حياته قفزة نوعية على جميع الأصعدة ولينهي به المطاف في نيجيريا حيث دفعه الحنين إلى وطنه إلى ماضيه إلى إجراء إتصالات هاتفيه مع أصدقاء الأمس... ساعتئذر عند إجرائه تلك الإتصالات أدرك موسى أن الماضي الذي كان يحنّ إليه ولّى إلى غير رجعة...نبذة الناشر:... بعد عشر سنوات مِنَ الإنقطاع التام، لم يحتج موسى إلى أكثر مِنْ خمس دقائق، وهي المدّة التي استغرقتها المكالمة ليفهم مِنْ حديث صديقه عن أولاده الثلاثة، كيف يأكلون ويشربون ويضحكون، أن ثمة متغيّرات دراماتيكية لا مكان له فيها، كما أنه ليس مضطراً إلى أن يستمع إلى امتعاض نزيه مِنْ نتيجة ابنه البكر في امتحان الرياضيات... كما لو أن الحياة كلها صارت وفقاً على ما يفعله أبناء الأخير في المدرسة.
ساعتئذٍ، أدرك أن الماضي الذي كان يحنّ إليه، ولّى إلى غير رجعة... اتصل بصديقه الآخر فهمي، رحب به بحرارة، إلّا أنه كان مستعجلاً إقفال الخطّ، لأنّ ثمّة زبوناً ينتظر شراء دزينة صحون (صيني) مِنْ محلّه... انتابته نوبة إحباط، بعد أن أحسّ بأن الأمكنة صارت على مقاس شاغليها.
د. نديم نجدي، كاتب وروائي لبناني، أستاذ مادة الفلسفة في الجامعة اللبنانية. إقرأ المزيد