تاريخ النشر: 10/05/2013
الناشر: دار المناهل للطباعة والنشر والتوزيع
نبذة نيل وفرات:"أدركت لماذا كنت أعتقد أنني أعرفها: جبينها وأنفها وذقنها وعيناها فيها لمسات حامد الرباعي واضحة، إذ لا فكاك من هذا الرجل، ها هو أخيراً يزف ابنته إلى رفيقه في هذه المرحلة دون أن يدري، لا أعرف الآن يا حامد من الذي سري الآخر في القاهرة ما لم يخطر له ...على بالي أن أراهم فيما رأيتهم فيه، ومع ذلك فهذا لا يكفي لتلك العبارة المطرزة بخيال جامح.
هول المفاجأة في هذا الكشف الذي حدث لي الليلة، أعلق عليّ أي تصور لهذه الحالة التي أعيشها، ثم لماذا هذا الفرح الخجول داخلي بهذا الكشف؟ هل أخرجت نفسي أثقالها؟ فطفحت الشماتة من أقاصي عروقها المخبوءة؟... لم تعد القاهرة تسعني، حينما تخرج النفس أثقالها؟ تئن الأرض من ثقلها، يمكن لنظرية نشوء الكون أن توضح ذلك بإقتدار...
كان علي أن أخرج نفسي من هذا الوحل الذي علق بكل خلية من خلاياي، ارتديت ملابسي وخرجت أنوي الذهاب لزميل مصري كان يعمل معي في جدة وانقطعنا دهراً... لم أبحث كثيراً، فقد اهتديت بسرعة إلى مسكنه في فيلا حديثة، فرح كثيراً لرؤيتي وردد العبارة ذاتها، لم يتغير فيك شيء سوى ملامح كرش لم أكن أتوقعها... التقيت بأولاده وزوجته، وذهبنا في جولات سريعة لذكرياتنا المشتركة، عالم نظيف مصقول، بسرعة أزاح الوحل الذي علق بي، في موعد قيلولته خرجت على وعد باللقاء ليلاً، ومرة ثانية أركب السيارة إلى عنوان أعرفه كثيراً، طبيب عمل وقتاً في جدة، من أسرة كلها طهر ونقاء، له مواقف نبيلة معي ومع أسرتي، لحقت به قبل أن يخرج من عيادته، كان لا بد أن أعيش القاهرة كما أعرفها لا كما يعرفها حامد الرباعي...
كان الفرح واضحاً على الدكتور حينما شاهدني سألني عن عائلتي فرداً فرداً وعن أحد أصدقائنا، لم ينس أحداً هذا الطبيب الذي يعوم في بحر الشرف والنبل، خرجت من عنده مزهوّاً بنفسي على وعد باللقاء طويلاً يوم الجمعة، هؤلاء الذين أعرفهم يا حامد، وأولئك هم الذين تعرفهم، وكلٌّ يعرف القاهرة على طريقته، وهذا النهار الذي أدبر، والليل الذي بدأ يتحفز، جاء دافئاً على غير العادة في مثل هذا اليوم من الشتاء.
قررت أن أذهب لأرتقي برج الجزيرة... ها أنذا قريب من السماء في مكان يكاد أن يكون هو الاقرب لسماء القاهرة... ينتابني ضحك غير مبرر، فكلما فكرت في الزمن تبين لي تفاهة ما نقوم به، وسخافة دورنا في تشكل الأحداث التي تمرّ بنا، دورنا ثانوي للغاية، الدور الرئيسي يقع على عاتق الزمن وحده...هل من المعقول أن يأخذنا الزمن كأدوات لتنفيذ ما يراه ويختاره لنا؟.
أصبحت أتعمق في عبارة ما قالتها آمال عبد العاطي قبل أيام، لم أنظر لها بهذه الطريقة إلا الآن، تعرف يا غالب، الكون كله يمر داخل الزمن، وليس العكس... الزمن خيمة كبيرة لا نراها، لأننا قطعة صغيرة داخلها، عيوننا لا تملك إلا بحار في المدى لنرى أشرعة الخيمة... هناك في منطقة غبش الإدراك تفلتت الأحداث من ذاكرته، حطمت قيودها من آخر خلية تحفظها، ونزت منه في المشراف الأخير...
انطلقت ودخلت في اللاشيء المطل بقوة على بدايات تخوم النسيان لديه وتبقى رائحة تشي بوجود ذكرى غير مدركة... يعرفها بالرائحة ويستنطقها وتتوالى المشاهد، مستهلة ببدايات معها عاش غالب الراوي والبطل المحوري أول فصول الرواية مع قدومه إلى القاهرة بصحبة صديق هو صديق لشخصية كبيرة.
وتتوالى الأحداث التي تتمحور حول حكايات زيجات الحوامدية، والراوي بين هذا وذاك هو الشخص الذي وضع في غير موضعه... فقد ظل الفرق يراود كل ما سمع حكاية... يشتد غيظي من فتاوى زواج المصياف، غير أني لم أتصوره معرضاً متكاملاً تواطأ أناس سفلة خارج القاهرة وداخلها لإتمامه والإحتقاء به، فيما بعد عرفت أن الحوامدية ليست بدعاً من أماكن أخرى داخل مصر وخارج مصر في دول عدة حتى في السعودية، وبصورة مختلفة...نبذة الناشر:هناك فرق بين الصورة الواقعية والصورة الفنية، فما يستحيل حدوثه في الواقع لا يستحيل حدوثه في العمل الفني.
الخروج من حالة الاشتهاء الى حالة التفكير هي خروج من الحقيقة الجسدية للدخول في النفاق الفكري...
أصابتني حالة من الحذر اللذيذ. شعرت بالوحدة والبرد. نمت، لكني صحوت مختلفة. لا أزال أذكر الحالة التي أفقت عليها، حالة الانتقال البطيء من النوم الى اليقظة. حالة أعرفها جيداً لكني عاجزة عن شرح كنهها.. فيها صفاء ذهني فائق، وعالم بديع يقفز في كل مكان وزمان. هو حلم أضعه أنا.. أوقفه أنا. أنا أحركه وأعيده ثانية للخلف أو للأمام. فيه شعاع قوي أطلقه في الوقت والمكان الذي أريده. إقرأ المزيد