الشعرية العربية ؛ أصولها ومفاهيمها وإتجاهاتها
(0)    
المرتبة: 51,647
تاريخ النشر: 29/03/2013
الناشر: منشورات ضفاف، دار الفكر للنشر والتوزيع
نبذة نيل وفرات:حظي التراث النقدي العربي بإهتمام النقاد المعاصرين، كما هو حال الأمم الأخرى الحاضرة في عنايتها بتراثها القديم، ذلك أن قراءة التراث - في بعض وجوهها - إستلهام لروح العقل الجمعي التاريخي من توقه إلى الإرتقاء في سلم الحضارة، ومن جهة أخرى فإنها تشكل من أشكال المحاكمة العقلية لمعطيات الماضي ...بما هي عليه من أفكار وقيم ومعتقدات، وذلك ليس من الأمور اليسيرة، إذ لا يتاح إلا لثلة من الباحثين الذين يتمتعون بسمة (الحياد) و (الموضوعية)، التي تقتضي تحديد الذات القارئة من شروطها التاريخية، والإنسلاخ المنهجي عن هويتها الثقافية ليتسنى لها النظر إلى المعطيات والأفكار بذاتها، وليس من حيث إرتباطها بإعتبارات تاريخية أو أيديولوجية معينة، فهذه كلها عوامل تحدد رؤية الباحث إلى التراث، وتؤسس موقفه الفكري والنفسي إزاءه.
وإلى ذلك، فإن التعمق في أغلب القراءات المعاصرة للتراث العربي النقدي يجد أنها تنطلق من رؤية نظرية وآليات منهجية واحدة تمسّ حقيقة التراث، ومدى أصالته وقيمته العلمية، فهي تجمع على ضآلة المنجز العقلي التراثي على صعيد الإبداع والإبتكار والتأسيس النظري، والتوكؤ على معطيات العقل اليوناني، ولا سيما أرسطو في الجوانب الفكرية والفلسفية ذات القيمة الفكرية والعلمية.
وهذا الإجماع حول تلك المقولات يوحي بأن تلك القراءات، تقوم على منهجية (إفتقاء الأثر) أو لإعادة إنتاج المقروء على إختلاف الطرائق والمسميات، ولذلك أسبابه الموضوعية والذاتية، إلا أنه يمكن القول بأنه لم تعدم القراءات العربية المعاصرة، إتجاهاً تعامل مع التراث بمنهجية موضوعية، وإن طغى عليها السرد التاريخي الوصفي.
كما أنه ثمة قراءات تتمتع بأهمية لا يمكن إغفالها، حاولت أن تعيد قراءة التراث النقدي في ضوء منهجية تحليلية معمقة اتخذت منحى (نقد النقد)، الذي حمل في طياته مشروعاً نقدياً منهجياً لإعادة قراءة التراث العربي النقدي والشعري قراءة معاصرة، بالإضافة إلى ذلك، لا يمكن إغفال بعض الآراء والملاحظات الجادة المتأملة للتراث العربي النقدي والشعري، التي وردت في ثنايا مؤلفات تناولت قضايا نقدية عامة.
وعلى ذلك يمكن القول بأن تلك القراءات على إختلاف مناهجها وغاياتها لا تخلو من أهمية، لأنها تقدم وجهات نظر تتباين في بعض الوجوه، وتتفق في وجوه أخرى، وتغترب من حقيقة التراث حيناً وتبتعد عنها حيناً آخر، ومن ثم فهي تمثل صوراً متعددة لحقيقة واحدة يستطيع الباحث الركون إلى بعضها، أو العزوف عن بعض، لكنها في مجملها منصبة على النظرية النقدية العربية بصورة عامة.
أما من الناحية المنهجية فإنها يغلب عليها المنهج التاريخي/ الزمني، الذي يتناول الظاهرة المقروءة من حيث إرتباطها بالمرجعيات التاريخية أو الآيديولوجية أحياناً، كما في القسم الأول من القراءات الآنفة الذكر، الأمر الذي رجح كفة المعامل التاريخي على الجانب النقدي/ التقني، وربما أدى إلى الإهتمام بالإنتماء الآيديولوجي للناقد على حساب نصوصه النقدية، فأفضى ذلك إلى إساءة قراءة النص، ومن ثم توجيه معطياته النقدية توجيهاً مخالفاً لمنطوق النصوص المقروءة.
من هنا، يمكن القول بأن هذا البحث الذي حمل عنوان "الشعرية العربية" قد تمركز حول جانبٍ من جوانب النظرية النقدية العربية، وهو مفهوم الشعرية بوصفها الأثر الجمالي لتفاعل عناصر الخطاب اللغوي، وفي أرقى مستوياته الأسلوبية وتقنياته التعبيرية، التي تؤلف في مجموعها الوظيفة الجمالية للخطاب الشعري، وهو جانب لم يسلط عليه في الضوء ما يكفي للكشف عن إتجاهاته ومضامينه الفكرية والجمالية، تظل موضوعاً غائماً في ثنايا النظرية النقدية العامة.
أما من الناحية المنهجية فقد اعتمد البحث المنهج إلتزامي، الذي يقوم على قراءة نصوص التراث في سياقها الثقافي والفكري، مستبعداً السياق التاريخي العام الذي يحيط بها، بغية إكتشاف إتجاهاتها وقوانينها الذاتية المؤثرة في حركة تطورها وإزدهارها، وهكذا، وكما يرى الباحث، من شأنه تخليص التراث - في جانبه المقروء - مما شابه من الأحكام والمواقف، التي تمخضت عنها الدراسات السابقة.
وفي ضوء تلك المعطيات تم تقسيم البحث إلى ثلاثة فصول، تناول الأول منها المرجعيات المعرفية للشعرية العربية، بينما عني الفصل الثاني بمستويات البنية الشعرية والإتجاهات الشعرية، أما الفصل الثالث فقد تمحور حول التجليات الشعرية، أما خاتمة البحث فقد تضمنت خلاصة لأهم النتائج والمعطيات التي تمخض البحث عنها، عبر قراءة النصوص النقدية لأبرز أعلام النقد في تراثنا العربي، تكريساً للإعتقاد بإستقلالية نظرية الشعرية العربية، المؤسسة على خصوصية العقل العربي وغَيْريّته الثقافية. إقرأ المزيد