تاريخ النشر: 01/01/2013
الناشر: رياض الريس للكتب والنشر
نبذة نيل وفرات:"كانت الساعة تشير إلى العاشرة والنصف، حين اتصل بي فادي، أن التظاهرات في الجامعة محتشدة للتضامن مع بابا عمرو، وأن الغضب يملأ الساحات، أنا قادمة، قلت لفادي، وغادرت متجهة نحو الجامعة.
كنت قريبة في ساحة الجامعة، أمام المكتبة المركزية، وسط التظاهرات اتصل بي فادي: أنا أمام كلية الهندسة المعمارية، الأمن ...يهاجم الكلية وإعتقالات... سمعت أصوات إطلاق النار، انقطع الخط، انخرطت وسط الشباب والصبايا المتظاهرين، شعرت بدفء هائل بينهم، رفع الشباب صبية كانت تهتف وتردد كلمات أغنية إبراهيم القاووش: "يا بشار ومانك منا خود ماهر وارحل عنا"، والشباب يرددون خلفها "يلا ارحل يا بشار".
الصبية سافرة دون حجاب، صبية بعمر الورد، وزملاؤها الجامعيون، لا تعرف لهم ديانة ولا إنتماء... كانوا يتصايحون فيما بينهم "رفيق، هدى، جيزيل، عمار، مازن، آزاد...".
طلاب وطالبات يدرسون في حلب، من عدة محافظات، تظاهروا من أجل حمص، ورفعوا شعارات لنصرة حمص، أحسست بقوة غريبة بينهم، ووجدتني أهتف دون تفكير "يلا ارحل يا بشار"... دمعت عيني من الفرح، كابوس سنواتي كلها، الإثنان والأربعين، يسقط في هذه اللحظة، شعرت بحماية أنفاسهم وحناجرهم، شعرت بحرية مختلفة، صحيح أنني أعيش في فرنسا، في بلاد حرة، أتمتع بحريتي الشخصية والفكرية والإجتماعية والسياسية، لكن الأمر هنا يختلف، الإحساس بالحرية هنا، ينبع من مصدر الحرية.
الحرية في فرنسا أمر تلقائي مضمون، لم أساهم في صناعته، الحرية هنا، في التظاهرات، في إسقاط النظام الذي تربينا على القمع خلاله، أمر غير مألوف، الإحساس بالحرية هنا طازج، كالفرق بين الطعام المعلب والطعام الطازج...
سمعنا أصوات الرصاص، صاح الشباب "سليمة سلمية"، وركض كل في إتجاه، حملني أحد المتظاهرين، وركض بي يحميني خلف جدران مبنى المكتبة، لا أعرفه، ولا يعرفني، كنت أشعر بقوة لم أحسّ بها يوماً، رفعت رأسي نحو السماء ممتنة أنني أعيش هذه اللحظات.
إحساس متداخل من الكرامة والقيمة والكبرياء، والحرية والفرح والتحرر من تأنيب الضمير، رأيت الفتاة التي كانت محمولة على الأكتاف، أنها تنزف... ماتت الصبية أمام عيوننا جميعاً، وتفرقت المظاهرة، هدأ الرصاص وتفرق الشباب، نزلت صوب ساحة الجامعة، من جهة الأشجار، لا من الطريق الأسلفتي، وما إن وصلت الساحة حتى رن هاتفي، كان يوسف: دينك؟ في ساحة الجامعة؟ أنا أيضاً في ساحة الجامعة، أضع قبعة صوفية زرقاء - أراك الآن، لوح لي بيده، أقفلت الخط ورفعت يدي ألوح له... رأيت يوسف للمرة الأولى في حياتي، يا إلهي ما أجمله!...
وفجأة شعرت بسائل ساخن يخرج من رأسي... رأيت يوسف بقطع الشارع نحوي، لكنني هديت قبل أن يصل... رأيت تبعتي الصوفية الزرقاء تسقط في كومة من دم سقط عليها الثلج...
"طبول الحب" حكاية تتداخل في ثناياها المحبة والكراهية، السجن والحرية، الثورة والقمع، متناقضات تسير جنباً إلى جنب فتصور واقع الثورة السورية وإنبثاقاتها. إقرأ المزيد