المهرجان الألفي لأبي العلاء المعري
(0)    
المرتبة: 166,348
تاريخ النشر: 01/01/1994
الناشر: دار صادر للطباعة والنشر
نبذة نيل وفرات:لو لم يوجد أبو العلاء المعري، أو لو وجد ومات صغيراً، لما قام مقامه أحد، ولبقي مكانه في ديوان الأدب العربي خالياً إلى الآن، وإلى ما لا يمكن تحديده فيما سيأتي من الزمان، والأدباء من هذا النوع قليل في كل أمة، ينفس الدهر بهم على البشر، ولا يجود بواحد ...منهم إلا نادراً في مئات السنين.
اجتمع في أبي العلاء من الخصائص ما يعز اجتماعه في أعاظم الرجال: نبوغ فطري، وذكاء نادر، وشعور رقيق، وعقل راجح، وخلق كريم، وترفع عن باطل الحياة الدنيا فوهب نفسه بما فيها من هذه المزايا للعلم والأدب، ففاز منهما بأعظم نصيب.
وكانت الثقافة الإسلامية لعصره قد استبحرت وتشعبت فنونها تدويناً وتأليفاً ووضعاً وترجمة واقتباساً، كما كانت القرائح الأدبية قد جادت بروائع الشعر والنثر. فاطلع على كل ذلك إطلاع تدبر، واستوعبه وأحاط به، فكان تام الآلة كامل العدة لا ينقصه شيء من ثقافة عصره.
انصرف الرجل عن زخرف الحياة الدنيا إلى العلم والأدب والتفكير، فنظم ونثر وألف ودرس، مستقل الرأي، حر التفكير، يجهر بما يعتقد، ورائده الصدق، وغايته الحقيقة، ووسيلته إلى ذلك أدبه المتميز بالإتقان والإبداع وبروز الشخصية.
قد يكون في شعراء العرب من هو أشعر من أبي العلاء، وقد يكون في كتابهم من هو أكتب منه، ولكن ليس فيهم من رمى من وراء أدبه إلى غاية ا،بل من غاية أبي العلاء الذي لم يكن أدبه أدب المستجدين، ولا أدب الغواة المستهترين الذين يهتمون بالفن للفن، بل كان أدب من يعتبر نفسه صاحب رسالة يدعو إليها، ويناضل عنها، ويقيم الدليل عليها، بمختلف الوسائل والأساليب، شعراً ونثراً.
وهكذا جاء أدب أبي العلاء أدب إنساني سام شامل، تخطى حدود الأجناس والأديان والعصور، فاشترك في إكباره جميع الأجيال، وقد يفهم منه ابن هذا العصر ما لمي فهمه القدماء، وستفهم منه الأجيال الآتية، ما لم نفهمه نحن في هذا العصر، فكلما تحرر العقل، وسمت المدارك، وتهذبت النفس، ازداد الإعجاب بأدب أبي العلاء.
في شهر ربيع الأول سنة 1363 مرّ على مولد أبي العلاء ألف سنة، فرأى المجمع العلمي العربي في دمشق أن يحيى في هذه الحادثة ذكرى تكون وسيلة للاستقصاء في دراسة أبي العلاء، والتنقيب عن آثاره. فعزم على إقامة مهرجان أدبي عام يفتتح في دمشق في اليوم الثامن من شوال سنة 1363 (25 أيلول سنة 1944) ودعا إليه أقطاب العلم والأدب في الأقطار العربية، وبعض الأقطار الشرقية والغربية.
ولما أظل الوقت المعين، وصلت الوفود إلى دمشق فاستقبلهم أعضاء المجمع، واحتفت بهم دمشق حكومتها وشعبها أبلغ احتفاء.
وافتتح المهرجان في دمشق تحت رعاية صاحب الفخامة رئيس الجمهورية السورية السيد شكري القوتلي، واستمر أسبوعاً أقيمت حفلاته الخطابية في دمشق ومعرة النعمان وحلب واللاذقية، فشهدت البلاد أعظم حادث أدبي في تاريخ الأدب العربي، وكان شغل الناس وحديثهم، وموضوع الصحف وحديث الإذاعات اللاسلكية. حتى إذا انقضى ذلك الأسبوع البهيج وعادت الوفود إلى بلادهم، ظل نبأ المهرجان حديث النوادي الأدبية في جميع الأقطار العربية، وظلت الصحف والمجلات تتناول أخباره، وتتناقل ما قيل فيه، وتنشر ما كتب عنه، مدة لا تقل عن سبعة أشهر.
أما ما ألقي فيه وكتب لأجله من الدراسات والبحوث والقصائد والخطب، فمن خيرة ما جاءت به قرائح أقطاب العلم والأدب في هذا العصر، وهو في جملته أجمع وأمتع كتاب بحث عن أبي العلاء في كل نواحيه وأشاد بذكره، وهو في الوقت نفسه صورة للأدب العربي المعاصر في نظمه ونثره وأساليب بحثه وبيانه. وكل ذلك مجموع في هذا السفر. إقرأ المزيد