مباحث منطقية مباحث في الفيمياء ونظرية المعرفة
(0)    
المرتبة: 127,801
تاريخ النشر: 31/12/2010
الناشر: المركز الثقافي العربي،
توفر الكتاب: نافـد (بإمكانك إضافته إلى عربة التسوق وسنبذل جهدنا لتأمينه)
نبذة نيل وفرات:لم ينشئ هوسرل سِسْتاماً فلسفياً ناجزاً إستناداً إلى حدس أولي، على نحو ما حصل مع هيغل مثالا؛ بل انخرط في مسار راح يتعدل ويكتمل خلال أكثر من أربعين عاماً في أكثر من أربعين ألف صفحة لم ينشر منها في حياته إلا القليل، ولم تُطبع بكاملها بعد.
واتبع دروباً تبدو للوهلة ...الأولى كثيرة التشعب والتنوع؛ إلا أنها تعود لتندرج في منحنيين اثنين، يتقدم الأول منهما أي "المنحى الديكارتي" مباشرة وقفزاً نحو الغاية التي بدأت تتضح تباعاً لتصير إقامة فيمياء مجاوزة؛ أي فلسفة تتصدّى أخيراً لمهمة فهم كيف يتأتّى أن تستقدم الموضوعية فيّاها إلى المعرفة؛ أي كيف يتأتى أن تصير ذاتية، أو كيف يمكن حل المسألة التي أثارها التفكير الفلسفي منذ ديكارت ولم يجد لها حلاً مرضياً أي علمياً من دون فروض ميتافيزيقية إضافية.
وينشغل المنحى الثاني بالمنطق خاصة؛ لكن أيضاً بالإستطيقيا والآطيقيا والمجتمع والتاريخ بوصفها دروباً ممكنة وحقول تطبيق للفيمياء المجاوزة.
من هنا، فإن الباحث المنطقية في هذا المؤلف الذي جاء ضمن كتابين الأول منفرداً والثاني ضمن جزئين يمثل هذا المؤلف الفصل الأساسي من هذا المسار بين الطبعة الأولى للكتاب الأولى 1900، وللكتاب الثاني 1901، والطبعة الثانية للكتاب الأول: مقدمات في المنطق المحض، وللجزء الأول من الكتاب الثاني عناصر إيضاح فيميائي للمعرفة 1921.
ويتضمن المنحنيين معاً إنما بإختصار المنحى الثاني على المنطق المحض وحسب، كما تفيد العناوين المذكورة هنا، فهوسرل يمهد فيه للمنطق المحض بنقد التعليم السيكولوجي الذي يحسب المنطق فنّاً من فنون السيكولوجيا حين يرى أن ما يجب أن يكون التفكير عليه (أي المنطق) ليس سوى حالة خاصة مما هو التفكير عليه.
فقواعد التفكير الصحيح، على ما تظن السيكولوجية، مماهية لقوانين الفكر الفيزيائية، والمنطق إما يكون فيزياء للتفكير أو لا يكون شيئاً بالمرة، كما يميز هوسرل المنطق التطبيقي من المنطق المحض، الأمر الذي تهمله السيكولوجية حين تحسب المنطق مجرد علم تطبيقي يتأسس في السيكولوجيا؛ ويمعن هوسرل في تمييز المنطق من سائر العلوم، من حيث إلى ما لا يمكن للعلوم أن تذهب إليه.
وهكذا وبإثبات أمثول المنطق المحض يكون الكتاب الأول، المقدمات، قد أدى مهمته وصار المطلوب التصدي لمهمة بناء هذا المنطق بالبحث عن مصادر أفاهيمه الأساسية وقوانينه الأمثلية في معيش التفكير والمعرفة، ويسمى هذا البحث فيمياء، وذاك هو غرض الكتاب الثاني الموسوم: مباحث في الفيمياء ونظريّة المعرفة.
وإلى هذا يضم الكتاب الثاني ستة مباحث، خمسة منها تشغل الجزء الأول منه، وينفرد المبحث السادس بالجزء الثاني، وينشغل منذ المدخل بمسألة العلاقة بين ذاتية العرفان وموضوعية مضمون المعرفة بحيث يصير السؤال المحرك: "كيف يمكن أن نفهم أن "فيّانية" الموضوعية تبلغ "التصور" بل "الدرك" في المعرفة وتنتهي إذن بأن تعود لتصير ذاتية؛ وماذا يعني بالنسبة إلى الموضّع أن يكون "فيّاه" و"معطى" في المعرفة... وماذا يعني... تطابق الشيء مع الذهن معرفياً"؟...
ويباشر هوسرل الإجابة بإيضاح الأفاهيم المنطقية الأساسية بدءاً بأفهومي التعبير والدلالة ليبين أن الدلالة المعبّر عنها لا تعود إلى المعيشات النفسية بل إلى أفاعيل القصود الدلالية من حيث إن الموضّع وحدة أمثلية متماهية بصرف النظر عن أي حالة نفسية؛ ومن حيث إن الدلالة الدلالة وحدة موضوعية (منطقية أمثلية) أي "موضّع عام" لا يوجد في العالم (بحسب الواقعية الساذجة) ولا في عالم المثل (بحسب الواقعية الأفلاطونية) ولا في الفكر (بحسب لوك)؛ إلا أنه قائم أمثلياً (على عكس ما تظن الإسمية المغالية مع بركلي وهيوم).
ولعل هذا الإثبات الذي يناهض في الظاهر رفض كنط فكرة الموضّع العام، هو أقرب ما يكون إلى مفهوم كنط للأفهوم حين يحسبه أفعول تفكير؛ لكن هوسرل المناهض لكل شكل من أشكال السيكولوجية لا يسعه أن يقرّ بذلك.
ويثني بإيضاح أفاهيم التجريد والكلّ والجزء ليميز من ثم بين القوانين التأليفية المادية والقوانين التحليلية الصورية تمهيداً للشروع بإقامة أنطولوجيا صورية، وبين الموضعات المستقلة وتلك اللامستقلة تمهيداً لتأسيس تنوعية قوانين دلالية أو علم نَحْوٍ فلسفي أو قل علم صرف دلالي محض.
وينشغل المبحث الخامس بإيضاح أفهوم القصدية وتمييزه من مفهومه عند برنتانو بخاصة، بدءاً بإيضاح أفهوم المعيش النفسي حيث أن القصدية لا تسم كل معيش نفسي بل المعيش القصدي أو المعيش الوعيي الذي يتخطى تيار المعيش نفسه وصولاً إلى الموضّع المقصود المتماهي أي القائم خارج المعيش المتبدل بإستمرار.
والمعيش القصدي هذا هو إما أفعول اسمي يطلق اسماً على مضمون معطى يبقى هوهو، أو على "مادة قصدية"، وإما افعول موضّع فيه يتقوم شيء ما كموضوع حكم أو كموضّع لنا، فالقصدية تستلزم هذه الثلاثية: مضمون - أفعول - موضّع - وحيث لا موضّع لا قصدية بل مجرد معيش نفسي.
وبذلك تكون الأرض قد مهدت لإيضاح فيميائي للمعرفة، الأمر الذي ينشغل به المبحث السادس الذي أفرده المؤلف في جزء خاص من الكتاب للإشارة إلى أنه الغاية من كامل المباحث المنطقية، وفيه يتم إيضاح المنطق المحض بالعودة إلى أفاعيل الوعي التي فيها تقوم الدلالات المنطقية وبالتمييز بين أفعول دالّ وأفعول وأفعول حدسي مالئ للدلالة...
ويتطلب ذلك نظرية جديدة في المعيش والوعي، أي يتطلب تحليلاً وصفياً (لا سيكولوجياً) لمعيشات التفكير والوعي مع التنبه إلى أن المعيش هنا ليس المعيش الواقعي الذي تنصرف إليه السكيولوجيا؛ بل المعيش المحض أو القصدي أو قل هو الماهيات الأمثلية.
فما يهمّ الفيميائي في نصوص المنطق ليس ما تستند إليه هذه النصوص من ركائز واقعية في المعيش؛ بل الدلالة المتماهية في هذا المعيش، وليس الألفاظ بل المطالب إياها، والمطالب ليس أشياء الطبيعة الواقعية؛ بل المعيشات التي بها نتصل بالكائنات المنطقية؛ لكن ذلك يستلزم تعليقاً للموقف الطبيعي المسلم بوجود العالم الخارجي، والتعليق منهجي وموقت لأن ثمة درباً ممكنة إنطلاقاً من الموقف الطبيعي هذا إلى الغاية نفسها. إقرأ المزيد