تاريخ النشر: 29/03/2011
الناشر: المركز الثقافي العربي
نبذة نيل وفرات:كنت أقرأ مجموعة محمود درويش "لماذا تركت الحصان وحيداً" لأول مرة، أقرأها تدفعني شحنتان من الوله: وله إلى الشعر الدرويشي الموعود، ووله إلى التعرف على سر العنوان، ودرويش، كما يعرف قراؤه، من أقدر الشعراء على إيقاظ الشعر ولهاً محضاً في نفس القارئ، لكن العنوان كان ملماً هو الآخر.
وكان أن ...توقفت فجأة أمام مقطع طال تأملي له حتى تبين لي فيه ما يبرر الإطالة في التأمل، لم أكن أتأمله لما فيه من جمال، أو للإجابة عن تساؤل، وإنما لشيء آخر يخص الشعر نفسه: "ههنا حاضر - لا مكان له، ربما أتدبر أمري، وأصرخ في ليلة اليوم: هل كان ذاك الشقي أبي، كي يحملني عبء تاريخه؟ ربما أتغير في اسمي، واختار ألفاظ أمي وعاداتها مثلما ينبغي... أن تكون: كأن تستطيع مداعبتي... كلما مس ملح دمي، وكأن تستطيع معالجتي كلما عضني بلبل في دمي!"...
حين قرأت هذا الكلام من قصيدة "ليلة اليوم" من "لماذا تركت الحصان وحيداً" كنت تحت تأثير التوتر المستمر، التوتر الذي يصعب الفكاك منه عند قراءة نصوص تنفرد بتوتر إبداعي يصعب إحتماله، وحري بالتوتر أن يزداد حين تكون مشدوداً - كما كنت - إلى قضية، قضية تراءت لي كما لو كانت الأساسية في قصائد الديوان.
أقصد قضية الهجرة وترك الحصان وحيداً، ففي المقطع مواجهة رمزية لعبء ماضي كارثي ومستقبل أكثر كارثية، وعلى مستوى أكثر خصوصية هي مواجهة لارث أن يصعب الفكاك منه، ارث الإنتماء إلى أب يصعب الفكاك منه، إرث الإنتماء إلى أب شقي، كيف يمكن إستبدال ذلك بإرث الأم، الأم المهمشة في ثقافة الأسماء والإنتماء، فالأم هي التي ستحنو على الشاعر حين يرتكب أخطاءه المعتادة "كلما مس ملح دمي"، وحين يتوهج الشعر المؤلم في العمق: "كلما عضني بلبل في دمي"...
هكذا يحاول الناقد سعد البازعي، في جولته الأولى في لغات الشعر، القراءة في قصيدة الشاعر محمود درويش الذي ترك حصانه وشعره وحيدين، وكما في هذه القصيدة، وكذلك في سائر القصائد التي تناولها الناقد في جولاته هذه، فإن القارئ سيتملكه الإحساس بأنها جولة اتسعت لتتناول أطراً مكانية وثقافية أبعد...
فلغات الشعر هي لغات الإبداع، طرقه وصوره، ولغات الشعر هي أيضاً اللغات الإنسانية المختلفة بالمعنى المعروف، يقف الناقد، وفي جولاته هذه عند بعض تلك اللغات، عند تجارب شعرية مختلفة وإن انحصرت في التجارب الحديثة (القرن العشرني وما تلاه).
تلك التجارب أو النصوص كتبه معظمها باللغة الإنجليزية، والقليل منها، لا يتجاوز الأربعة بلغات أخرى تمّ للناقد ترجمتها جميعاً، وهي تربو على الخمسة عشر نصاً، عن الإنجليزية، ومما يجمعها أنها تمثل لغات أو أساليب مختلفة في الكتابة الشعرية، كما أن تلك النصوص، كما سيتضح للقارئ عند مطالعته للمحتويات، تأتي من ثقافات مختلفة أيضاً (التركية والإيرانية والهندية والأميركية والماليزية والأرلندية والبولندية وغيرها).
هذا طبعاً إلى جانب القسم الأكبر الذي يمثله شعراء العرب (السعودية، دول الخليج، فلسطين، العراق، مصر، سوريا، لبنان) والشعر إلى هذا، ليس الرابط الوحيد بين تلك التجارب واللغات، وإن كان الرابط الرئيسي بطبيعة الحال.
ضمن إطار ذلك الرابط تأتي هموم الشعر وقضاياه، وقد آثر الناقد وضع الشعراء وقصائدهم في مجموعات تلتئم حسب إختلاف تلك الهموم أو تعددها؛ أي حسب لغات الرؤية الشعرية، وليس حسب لغات اللسان وإختلاف النطق والمهاد الثقافي، وهو يقول في ذلك أنه فعل ذلك لقناعته بأن ما يقرّب التجارب الشعرية؛ بعضها من بعض أقوى مما يباعدها على مستوى الألسن، فالإختلاف والتنوع يأتي من إختلاف التجارب الفردية والمهاد الثقافي إلى جانب الرؤية الشخصية التي تميز مبدعاً عن آخر.
ويمكن القول بأن في بعض ما يضمه الكتاب قراءات مقارنة تجمع التجارب وتستقرئ المشتركات والإختلافات، وفي بعض محتوياته قراءات فردية تتبع القصائد في مسعى لقراءة مدققة أو مقاربة تستكشف القيمة الشعرية الجمالية للنص دون أن تغفل عن سياقه التاريخي والثقافي/ الإجتماعي. إقرأ المزيد