تاريخ النشر: 01/10/2005
الناشر: دار الجيل للطبع والنشر والتوزيع
نبذة نيل وفرات:يحتل ابن خلدون في التراث العربي الإسلامي، وفي الفكر الغربي المعاصر، مكانة متميزة، وينظر إليه على أنه صاحب رؤية حضارية خاصة، سيما فيما يتعلق بدراسة التاريخ البشري، والمجتمع الإنساني، والعمران الحضاري، ويتجاوز بعض الدارسين له ذلك فيتحدثون عن عبقريته في الفكر الاقتصادي والتربوي والسياسي وغير ذلك من حقول الثقافة ...والمعرفة. ويشار إلى ابن خلدون في مناسبات عديدة باعتباره صاحب منهجية في النظر والتفكير والبحث والتفسير، مثلت في زمانه قفزة إبداعية متميزة، ووصفت بعض إنجازاته بأنها غير مسبوقة، باعتباره مؤسسها وأنها لم تكن معروفة قبله.
وابن خلدون، مثل غيره من علماء عصره والعصور السابقة، كان ذا ثقافة موسوعية، لديه إلمام كبير بالعلوم، بيد أنه تفرد بمحاولة دراسة الظواهر الاجتماعية، وتوصل إلى أنها محكومة بالقوانين والسنن نفسها التي تحكم سلوك الظواهر الطبيعية بالقوانين، كما أقام علاقة قوية بين البيئة الطبيعية/الجغرافية والسلوك البشري والاجتماعي والنفسي، وقد جعل ابن خلدون العصبية نموذجاً تفسيرياً في دراسة الممالك وتبدل الدول وتغير النظم السياسية، وعلاقة ذلك بمفهوم العمران البشري، وتطور المجتمع، وأحوال المعيشة والاقتصاد.
وتعتبر "المقدمة" من بين مؤلفات العلامة ابن خلدون الكتاب الأبرز والأهم المتضمن لما سبق ذكره من نظريات وراء. وهي تطلق الآن على المجلد الأول من المجلدات السبعة التي يتألف منها كتاب "العبر، وديوان المبتدأ والخبر، في أيام العرب العجم والبربر، ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر".
ولقد عدَ ابن خلدون من خلال مقدمته هذه المؤسس الأول لعلم الاجتماع، بسبب مجموعة القواعد العقلية التي انطلق منها في دراسة أحوال الدولة والناس والعمران... فقد عرف بشكل واضح علم التاريخ، وبين فيه أسباب الكذب، والمنهج التاريخي وعلاقة التاريخ بعلم الاجتماع.
ثم تناول علم العمران والاجتماع الإنساني، وبين شكلين واضحين للعمران: العمران البدوي، والعمران الحضري... ومن خلال ذلك تناول العصبية والرئاسة والملك والنبوة، والدولة، من حيث اتساع نطاقها وأسباب قوتها وصفتها، وحدودها، وزوالها وعمرها وأجيالها... وتحدث في الحضارة وآلياتها... وقد أسهب كذلك في شرح النظرية الاقتصادية في العمران، فيما يتعلق بالعمل، والربح والبضائع، والجباية، وتجارة السلطان، والعدوان على أموال الناس، والظلم وأنواعه...
كما فصل الكلام في التربية والتعليم باحثاً عن طبيعة الإنسان وانتقاله من الجهل إلى العلم، وعن شروط التعلم والعلوم وطرف تعلمها... واستعرض مجموعة من العلوم الشائعة في عصره حتى ما يتعلق منها بالسحر والطلاسم... إلى علم الحروف والفلك... وما إلى ذلك.
أما أسلوبه فتميز برقي بارز تبع رقي أفكاره ومضامينه... ومثلما اعتنى بعمق أفكاره وعناها فقد اعتنى بلغة عميقة غنية، وقد قال ساطع الحصري في "دراسات عن مقدمة ابن خلدون": "إن قريحة ابن خلدون كانت قريحة خصبة ولودة، أوصلته إلى مجموعة كبيرة جداً من الأفكار والآراء الجديدة. فكان يستحيل عليه أن يعبر عنها جميعها بكلمات مألوفة بمعانيها المعتادة، وكان من الطبيعي أن يضطر إلى استحداث بعض الكلمات للتعبير عن آرائه أو إلى استعمال الكلمات المألوفة بمعان خاصة تختلف عن معانيها الدارجة بعض الاختلاف". ونضيف بأنه ابتعد عن الأساليب التقليدية المتكلفة، وجاء بأسلوب مسترسل متدفق سهل الفهم.
وبالعودة لمتن هذه الطبعة من المقدمة نجد أنها قد جاءت مزيلة بتحقيق لطيف حيث اهتم بالترجمة للأعلام الواردة في المقدمة، وعرف بالأماكن المذكورة من مدن وأمصار ومحوها، وأعد بعض الشروحات اللازمة لبعض المفردات من ثم عمد إلى "فهرسة" المقدمة بفهارس شاملة عوناً للباحثين وتسهيلاً لوصلهم لأجزاء المقدمة وتفصيلاتها. إقرأ المزيد