مصطفى المنفلوطي - الأعمال الكاملة
(0)    
المرتبة: 47,181
تاريخ النشر: 01/01/2008
الناشر: الشرق العربي ناشرون
توفر الكتاب: نافـد (بإمكانك إضافته إلى عربة التسوق وسنبذل جهدنا لتأمينه)
نبذة نيل وفرات:"عرفت أني فكرت ليلة أمس فيما أكتب اليوم، وعرفت أني آخذ الساعة بقلمي بين أناملي، وأن بين يدي صحيفة بيضاء تسدد قليلاً قليلاً كلما أجريت القلم فيها؛ ولكني لا أعلم هل يبلغ القلم مداه أو يكبد دون غايته؟ وهل أستطيع أن أتمم رسالتي هذه، أو يعترف عارض من عوارض ...الدهر في سبيلها؟ لأنني لا أعرف من شؤون الغد شيئاً، ولأن المستقبل بيد الله.
عرفت أني ليست أثوابي في الصباح، وأني لا أزال ألبسها حتى الآن، ولكني لا أعلم هل أخلفها بيدي أو تخلفها يد الفاسل؟ الغد شبح مبهم يتراءى للناظر من مكان بعد، فربما كان ملكاً رحيماً، وربما كان شيطاناً رجيماً، بل ربما كان سحابة سوداء إذا هبت عليها ريح باردة حللت أجزاءها، وبعثرت ذراتها، فأصبحت كأنما في عدم من الأعدام التي لم يسبقها وجود.
الغد بحر ضخم زاخر يعب عبابه وتصطخب أمواجه، فلا يدريك إن كان يحمل في جوفه الدر والجوهر، أو الموت الأحمر. لقد غمض الغد عن العقول، ودق شخصه عن الأنظار، حتى لو أن إنساناً رفع قدمه ليضمها في خروجه من باب قصره، لا يدري أيضعها على عتبة القصر أم على حافة القبر.
الغد صدر مملوء بالأسرار الغزار، تحوم حوله البصائر وتتسبقه العقول، وتستدرجه الأنظار، فلا يبوح بسر من أسراره؛ إلا إذا جاءت الصخرة بالماء الزلال، كأني بالغد وهو كامن في مكمنه، رابض في مجتمعه، متلفع بفضل أزاره ينظر إلى آمالنا وأمانينا نظرات الهزء والسخرية ويبتسم إبتسامات الاستخفاف والأزدراء، يقول في نفسه: لو علم هذا الجامع أنه يجمع للوارثه وهذا الباني أنه يبنى للخراب، وهذا الوالد أنه يلد للموت: ما جمع الجامع ولا بنى الباني ولا ولد الوالد...
"كانت تلك خاطرة من الخواطر التي حاد بها فكر وخيال المنفلوطي في هذه المجموعة التي ضمت ما أبدعه من أعمال التي استقاها من الواقع ثم وضعها في قالب أدبي رائع، تميز وانفرد به المنفلوطي عن سائر الكتاب والأدباء في عصره، وبالإمكان القول أن لأدبه سحراً ما زالت له أصداءه إلى يومنا هذا.
لم يقف إبداع المنفلوطي عند عتبة من أعتاب الفن النثري إذ تنوعت أعماله من الخواطر إلى القصص إلى الرسائل إلى النقد الأدبي إلى... حتى أنه ليس من المبالغ القول بأنه تخطى ذلك إلى عتبة تجاوز فيها الفن النثري، بل وجعله أداة للدخول إلى أعماق النفس الإنسانية وتحليلها من خلال بعض الشخصيات التي تناولها في هذا المجال، وهو يقول عن صنعة الأدب لديه بأنه قرأ ما شاء له من نثور العرب ومنظومها، في حاضرها وماضيها فرأى أن الأحاديث ثلاثة: حديث اللسان، وحديث العقل، وحديث القلب، وأن أرقاها هو حديث القلب، وهو الذي يردده المريدون مهما اختلفت عباراتهم وتنوعت أساليبهم من كلمة البيان، وبالنسبة له فإنه ما كان ليجعل بحديث اللسان ولا بحديث العقل، أي أنه لم يكن يتكلف لفظاً غير اللفظ الذي يقتاده المعنى ويتطلبه، ولا كان يفتش عن معنى غير المعنى الطبيعي القائم في نفسه، بل هو كان يحدث الناس بقلمه كما يحد بهم بلسانه.
وأيضاً ما كان ليحمل نفسه على الكتابة حملاً، بل هو كان يرى فيفكر ويكتب، ولا كان يكتب حقيقة غير مشوبة بالخيال، لأن للخيال الأثر الأعظم في تكوين هذا المجتمع الإنساني.
وأخيراً يقول بأنه ما كان يكتب للناس للإشادة به وليعجبهم، بل هو كان يكتب لينفعهم ويسمع منهم. إقرأ المزيد