الأنا الغنائي في 'لماذا تركت الحصان وحيداً'
(0)    
المرتبة: 203,182
تاريخ النشر: 01/12/2008
الناشر: دار أمل للنشر والتوزيع
نبذة نيل وفرات:عندما أنجز نور الدين الحاج هذا البحث كان على دقيق دراسة أن مجاله مازال بكراً من ناحية ما وضع للغنائية عند الرومنطيقيين وعند الحداثيين ومن نظر للحداثة من لطيف الحدود. وكان على معرفة بما كتب عن الشعر الغنائي والشعر الدرامي في القصيدة العربية الحديثة. وقد وقف الشعر الغنائي على ...كونه شعراً "يتغنى فيه الشاعر بعاطفة من العواطف فيضمن القصيدة طائفة من المشاعر الجزئية التي تأتي نتيجة انفعال سريع". والحال أن الغنائية بمعناها الجديد تتعلق بكيفيات حضور الذات عامة ولا سيما ذات التلفظ في النص الشعري تقترب من ذات صانع النص التاريخي، وتباينه إذ تسوح بعيداً في كون الخيال وقد نأت عن المرجع نأياً وما يترتب على ذلك من صور للأنا الملفوظ والعالم.
وقد اختار الحاج مجموعة "لماذا تركت الحصان وحيداً منطلقاً للنظر في المسألة المطروحة، ووجد فيها تشكلات للذات الغنائية تقترب من ذات درويش فتحسبها هذ ذات التاريخ، وتنصرف عنها حتى لتغدو ذاتاً غنائية خالصة لا علاقة لها بصائغ كلمات النص الشعري في الكون، فهو القائل: أنا لغتي أنا ما قالت الكلمات: كن جسدي، فكنت لنبرها جسداً. أنا ما قلت للكلمات: كوني ملتقى جسدي مع الأبدية الصحراء، كوني كي أكون كما أقول.
وفي القول وبه يتشكل الأنا الفني اللغوي الذي لا مرجع له حقيقة وتاريخاً، وهل يكون العالم المصوغ به هذا الصوت إلا عالماً غنائياً هو أيضاً، مقدوداً من تصاوير غنائية هي أيضاً مصوغة بذات غنائية. ولم يقصد الحاج بالذات الغنائية الشاعر يقول ذاته القائلة والمقولة في النص، بل إن ذلك هو وجه من وجوه التاريخ يقال بالرمز والتلميح ليتكثف. يقول صاحب البحث "ما نريد تأكيده هنا هو أن الأنا الغنائي في" لماذا تركت الحصان وحيداً لا يستقر به المقام في مكان ويسكن إلى زمان محدد، وإنما هو كالماء يجري لأنه يرفض هوية ثابتة ويأنف من وجود جاهز، لذلك يتناثر ويتشظى سعياً منه إلى الحضور في التاريخ بكل أبعاده". هكذا تنقض هذه الفكرة الجدلية بين الغنائية والتاريخ فكرة عز الدين إسماعيل الذي أقام حدوداً صارمة بين الشعر الغنائي ذي الطابع الفرداني والشعر الدرامي ذي الأبعاد الإنسانية.
ولعل من أهم ما يثبت ذلك وسم الذات الغنائية بسمة التعدد تكون متعددة في الوحدة ومتشظية إلى أصوات كما أبان الحاج في الباب الثاني من هذا البحث الرائق -وقد نفى "فرانسيس جاك" أن تكون ذات الفرد واحدة، بل متعددة يترصدها الآخر ويسكنها ذكرته أن لم تذكره -ومن آكد ما توصل إليه الحاج تعدد الذات الغنائية غير الملتئمة يقول: "أرى نفسي تنشق إلى اثنين أنا واسمي"، ويقول: "وجدت نفسي في نفسي وخارجها وأنت بينهما، المرآة بينهما".
لقد استطاع الحاد في هذا البحث الشيق أن يثير مسألة خطيرة هي مسألة الغنائية في الشعر لاغياً مفاهيم عنها شائعة، مثبتاً صوراً لها حديثة رآها آية من آيات الحداثة في شعر شاعر منغرس في أرض اللغة، منبت عن أرض التاريخ. إقرأ المزيد