المجاهدة التوحيدية (معارف وتعاليم في معارج الصراط المستقيم)
(0)    
المرتبة: 148,572
تاريخ النشر: 01/01/2007
الناشر: المركز العربي للأبحاث والتوثيق
نبذة نيل وفرات:حُكي عن ولي من أولياء الله جل وعلا أنه قال : " .. نظرت عند ذلك في أحوالي وتفكرت في تصاريف أموري ، فوجدت بنية هيكلي مركبة من أخلاط ممتزجة ، متضادة القوى ، مركزة فيها شهوات مختلفة ، فتأملتها فإذا هي كأنها نيرانٌ كامنة في أحجار كبريتية ، ...ووجدت وقودها هي المشتهيات من ملاذ الدنيا ونعيمها ، ووجدت اشتعال تلك النيران عند الوقود كأنها حريق لا يُطفأ ولهبٌ لا يُخمد ، أو كأمواج بحر متلاطمة أو رياح عاصفة تدمر كل شيء ، .. وذلك أني وجدت حرارة شهوات المأكولات والمشروبات في نفسي عند هيجان نار الجوع والظمأ كأنها لهب النيران التي لا تُطفأ ، ووجدت نفسي الشهوانية عند الأكل والشرب في الشره كأنها كلاب وقعت على جيف تنهش . ووجدت حرارة الحرص في نفسي عند هيجان نار الطمع كأنها حريق تلهب الدنيا كلها . ووجدت نفسي عند ذلك كأنها وعاءٌ لا يمتلئ من جميع ما في الدنيا من المتاع ، ووجدت حرارة الغضب في نفسي الحيوانية عند هيجان نار الحركة كأنها حريق ترمي بشرَرٍ كالقصر ، ورأيتها عند هيجان حرارة الإفتخار والمباهاة كأنها خير خليقة الله وأشرفهم . ورأيتها عند هيجان حرارة شهوة الرياسة وتملكها لها كأن الناس كلهم عبيد لها وخَوَل ، ورأيتها عند هيجان حرارة نار شهوة الكرامة وطلبها لها كأنها دينٌ لازم .. ورأيتها .. ورأيتها ... وعلى هذا المثال وجدت ورأيت سائر أخلاقها الرديئة ، وخصالها المذمومة ، وأعمالها السنية ، وأفعالها القبيحة ، وآرائها الفاسدة ، فعلمت عند ذلك أن هذه كلها نيران لا تخمد ، وحريق لا يُطفأ ، وأعداء لا يتصالحون ، وحرب لا تهدأ ، .. وداء لا يبرأ .. وشغل لا يفرغ منه إلى الموت .. فشمرت عند ذلك بالعزم الصحيح والنيّة الصادقة ، وشددت وسطي بإبراز الحزم ، وأخذت سلاح الإجتهاد ، وارتديت برداء الورع ، ولبست قميص الحياء ، وتسربلت سربال الجدّ ، ووضعت على رأسي تاج الزهد في الدنيا ، وأثبت قدمي على التقوى . وأسندت ظهري إلى الله بالتوكل عليه ، وجعلت شعاري الخوف منه والرجاء ، وزحمت قوى نفسي بالنهي ، .. وجعلت دليلي حسن الظن بربي ، وشكلت منها منهاج السنة ، وقصدت صراط المستقيم للقاء ربي ، وناديته نداء الغريق ، ودعوته دعاء المضطر ، واقررت بالعجز والتقصير ، وطرحت نفسي بين يديه بلا حول ولا قوة إلا بالله العظيم [ .. ] دنيا مليئة بالمكدرات والعلائق التي هي كما في سيرة ذلك الولي العارف حجبٌ تعيق النفس البشرية من عودتها إلى كنف العقل التي صدرت أو انبثقت منه . من هنا كانت المسؤولية التي تقع على كاهل أهل التوحيد مسؤولية كبيرة تتمثل في تهذيب تلك النفس وترويضها لتصبح نقية شفاقّة صافية كما كانت عليه قبل ورودها إلى عالم الكون والفساد فتدرك حقيقة ذاتها . وكما جاء في الشريعة الروحانية : " إن الماء الصافي النقي يهدي ويؤدي البصر إلى سائر ما في ذاته ، بينما إذا شابه الكدر والوسخ حجب النظر من معرفة ما يوجد في الماء ، وهكذا بالنسبة لنور الشمس إذا أشرق على الأشياء كان النظر مدركاً له بالحقيقة ... وكذلك أنوار العقل اللطيفة الشريفة ، إذا امتزجت بالأشياء الكثيفة المظلمة كدّرتها وأعاقتها عن إدراك ما في ذاتها من الصور والأشكال النقية فحينئذ تبقى النفس فقيرة من مقتنياتها جاهلة بمعلوماتها ، عادمة حسن التهدّي إلى طريق ثباتها ... ، من هنا اتخذ أهل التوحيد المجاهدة الحقّة سبيلاً في ترويض النفس لتنقيتها من الشوائب التي تعيقها في طريق عودتها إلى الأصل ( العقل ) لتكون دائمة الحضور في كنفه ، مستنيرة بإشراكاته المبددة للمصطلحات والحجب ، وكقاعدة أساسية للخلاص . إذن فالمجاهدة ثم المجاهدة ثم المجاهدة . بهذه فقط يعود كل شيء في الخليقة على أصله الذي انبثق منه ، إلى عالم الذي يتربع على عرشه العقل الكلّي الرفع ... فليجد القارىء في هذه المرحلة التوحيدية الروحية ، ليكون على مقربة لفهم معنى المجاهدة وما تعنيه عند أهل التوحيد ، ولمعرفة الأسس العقلانية التي تقدم عليها ، ارتكازاً على المعرفة النظرية التي قدمها الأولياء والحكماء من أصحاب المسالك الدينية والروحية ، التي هي خلاصة تجارب واختبارات من جهة ، وخلاصة بحث وتمحيص من جهة أخرى ، وعلى قاعدة المعرفة التطبيقية العملية اللازمة للمعرفة النظرية الآنفة الذكر . نبذة الناشر:يتضمن هذا الكتاب معارف وتعاليم خلفها الحكماء والأولياء الصالحين من أئمة أهل التوحيد، أصحاب المسالك الدينية والروحية كخلاصة تجارب واختبارات ذاتية تحققت لديهم في خضم مجاهداتهم التوحيدية الحقة في السعي إلى تهذيب النفس وترويضها لتعود إلى الصراط المستقيم، ينبوعها الأصل الذي انبثقت منه، وكل ذلك عبر الرياضة المثمرة انطلاقاً من الفهم العقلاني لتركيبة الكيان الإنساني بوجهيه الداخلي (العقل، الفكر، النفس، القلب...)، والخارجي (الجسم، وجوارحه السبع). ارتكازاً على المعرفة الدينية والروحية والعلمية، الأخلاقية، وبأسلوب سلس يخاطب العقول والقلوب في آن، تمت صياغة هذا الكتاب وإتمامه. إقرأ المزيد