الشرق الخيالي ورؤية الآخر
(0)    
المرتبة: 26,641
تاريخ النشر: 01/01/2006
الناشر: دار المدى للطباعة والنشر والتوزيع
نبذة نيل وفرات:صدر كتاب (الشرق الخيالي) لتييري هنتش في العام 1988، وكان علاجاً شافياً لجدال لم ينقطع في الغرب يوماً ما منذ اكتشاف الغرب للشرق، ولكن الجدال هذه المرة كان أكثر انتظاماً وأهمية، وأكثر حداثة، ذلك لأن تييري هنتش بين أن الإنشطار شرق/غرب الذي حدث في غروب القرن الخامس عشر ...تم إسقاطه على العصر الإغريقي-الروماني الذي لم يكن يدرك أية فكرة عن هذا الانشطار كما نعرفه اليوم.
لقد أراد هنتش أن يقول: إن الشرق هو اختراع غربي تمت صياغته عبر الاختراع مراحل تحولات الوعي الغربي بذاته، ويرسم صوراً للشرق تتنوع وتختلف طبقاً إلى الاختلاف والتنوع الظرفي من الناحيتين التاريخية والسياسية، فيكون إدراك الغرب للشرق قائماً على نظام الصورة المتنوعة والتي تعكس الصراع السياسي والتاريخي في العالم الغربي، فلم يكن نظام التصور نظاماً واحدياً، إنما هو تصور مقترن بما يحدث في عالم الغرب أكثر مما يحدث في أي عالم آخر.
إن صورة الشرق تحدد الانتقال الحاسم في الغرب من الكوسموغونية الدينية إلى الكوسموغونية السياسية، وقبل أن ينكمش الغرب عند حدوده وفي وعيه الذاتي وقبل أن يصبح ضحية للانعزال والتقوقع والتمركز حول الذات، وجد في الشرق علاجاً وترياقاً.
لقد حاول هنتش أن يرسم خارطة الوعي الغربي منذ بوستل وميكافيلي وبودان مروراً بلايبنز وهيغل وماركس وصولاً إلى الشرق الرومانتيكي عند شبنغلر وغوته ولامارتين وشارتوبريان وانتهاء بماسنيون وجاك بيرك وغرنباوم وسارتر وغارودي.
لقد رسم خارطة واسعة ومفصلة للكتابات التاريخية والأدبية والسياسية والسوسيولوجية، وعرضها إلى النقد العنيف محاولاً الانفلات من التمركز الاثني والثقافي الذي يحكم بنظامه كل الثقافة والمثقفين الغربيين، فإن لم يستطع هنتش الانفلات من هذا التمركز، الانفلات من التراتب العنيف الذي حددته الميتافيزيقيا الغربية، فهو على الأقل كان يعي تمركزه الاثني والثقافي والسياسي، هذا التمركز الذي مر بمراحل متعددة ابتداء من الصراع الصليبي الإسلامي، مروراً بالصراع العثماني الأوروبي، وانتهاء بالصراع العربي الإسرائيلي.
لقد أراد هنتش أن يبين الكيفية التي كان الخطاب الغربي يتمفصل من خلالها كلما تعرض إلى شيء عربي أو إسلامي، أراد أن يبين كيف أن الخطاب الغربي الذي صنع صورة الآخر في المخيال الغربي هو خطاب سابق على عملية الاتصال، وإن الفكرة المنبثقة من الكوسموغونية الدينية والتي أخضعت الشرق إلى سلسلة من المقارنات بوساطة الإجراء الوصفي تحولت إلى كوسموغونية سياسية، وإن مفهوم الكوننة كان خاضعاً بالضرورة إلى الخطاب حول الآخر في إطار التقليد الميتافيزيقي في النظر للآخر، وقد خضع هو الآخر إلى نوع من التمثيل الاستيهامي.
إذن كيف كان الشرق يروض ويحيد بشكل صامت؟ وكيف تم فهمه وفهم ثقافته من خلال البلاغة الغربية ومقولاتها وغايتها وسردياتها؟ وكيف تم اختزاله؟ هذا الاختزال الذي أصبح نوعاً من التهديد في العصر الحالي تحت مظاهر مختلفة: الإرهاب الإسلامي، الإرهاب البترولي، إرهاب الجماعات المهاجرة، فضلاً عن التهديد المقلق لأمن أوربا.
في الواقع، إن أهمية هذا الكتاب تتمحور في أمرين: الأول: الغرب في نقده لمركزيته، ولرؤيته، ولمرتكزات ثقافته في تعامله مع الآخر. ثانياً: في دعوته الثقافية والفكرية والحضارية للتعايش مع الآخر.
لذا وجدت "مي عبد الكريم محمود" في ترجمة هذا الكتاب إلى اللغة العربية صورة ماسة، لا لأنه يدين الغرب وتصوراته المنمطة عن الشرق، ولا لنحاول نحن من خلال هذه الإدانة التقوقع عند حتمياتنا وأن نبرر انعزالنا التاريخي والثقافي، وأن نحمي تقوقعنا في حدود تصوراتنا، إنما للنظر بصورة متساوية لنحن الكائنة في الآخر. فطالما حاول تجاوز تحديد التطورات العرقية والمتمركزة للغربي في دراسته للشرقي، وحاول تجاوز الخطاب السياسي المحكوم بالظرف الخاص للصراع العربي الإسرائيلي، ووضع بديلاً ثقافياً وحضارياً للتفاهم الإنساني ومعرفة صورة التمركز التي تحكم بنظامها الخطاب الفلسفي والسياسي والإيديولوجي، وبين في دراسته هذه كيف أنها نظرة وتصور محكوم بالعلاقة التاريخية والسياسية التي ظلت حبيسة لهذه الثنائية وملفوظاتها وطريقة تمفصلها، لذا علينا من جانبنا أن نعدها دعوة مفتوحة للحوار والتلاقي، لا للتصادم والعزل والتهميش المزدوج الذي مارسته الثقافتان إزاء بعضهما.نبذة الناشر:يظهر هذا الزوج الشرق-الغرب، المصنوع من التعارض والتجاور العريق وكأنه أحد ثوابت التاريخ المتوسطي.
إنه تعايش إشكالي لجوهرين أساسين يؤثر كل منهما في الآخر، ويتمازجان في السلم كما في الحرب، دون أن يختلطا بشكل دائم، وإن التكامل والإختلاف فيما بينهما سرعان ما يعود الى الظهور، ويبدو أن هذا الخط موجود منذ أقدم العصور.
ويوحي كل ما حصل كما لو إن الشرق والغرب كانا ومنذ القدم مشتبكين في مواجهة منهكة، غير مستنفذة، كان المتوسط فيها هو المركز، فهو منطقة التنازع ومنطقة الإنفصال في آن معاً. إقرأ المزيد