تاريخ النشر: 01/01/2018
الناشر: دار التنوير للطباعة والنشر
نبذة نيل وفرات:حدد نيتشه بنفسه مهمة حياته عندما أوضحها في هذا الكتاب بقوله: "إن مهمة حياتي هي أن أعد للإنسانية لحظة للوعي الذاتي الرائع، أوج ظهيرة عظيمة تخدمه للوراء وللإمام معاً، عندما بزغ من جبروت ما هو عرضي ومن الكهانة ولأول مرة تطرح السبب والمكان فيما يتعلق بالإنسانية ككل. من خلال ...هذه الرسالة يعيد نيتشه إلقاء الضوء على رحلة حياته وكتبه بل وحتى أسلوبه في الكتابة حتى لا يساء فهمه على نحو ما تنبأ وما حدث له بالفعل.. وهذا الكتاب لم يكتب بالمداد بل أراد لكلماته –كما أراد لكل كلماته في كل الكتب- أن تكون كلمات جرانيتية تستهدف إحداث انقلاب في نفسية القارئ بل وتأخذه من خناقه حتى يساهم في الانقلاب نفسه.
ولقد أوضح نيتشه بنفسه أهمية التساؤلات الخلقية لأن هذه التساؤلات –على حد قوله- تحدد مستقبل البشرية لكنه لا يتوقف عند الأخلاقيات بل يريد أن يتجاوزها ليبحث في الوجود نفسه، الوجود العيني المشخص لا الوجود التجريدي المطلق حتى يتغير الوجود الإنساني نحو الأفضل ويخرج الإنسان من مرحلة الديدان إلى مرحلة الإنسان الأعلى المبشر بالبرق والذي يحمل القيم الجديدة، قيم الأخلاق النبيلة، قيم تغيير الإنسان بالقضاء على اغتراب الإنسان وانفصاله وقيم العبيد المنيئة في حياته وساعتها يولد الإنسان من جديد.. وبهذا يتأكد انتماء نيتشه إلى الفلسفة الوجودية التي تستهدف أن يمارس الإنسان حريته ويرسم من جديد صورته فوق سطح الزمان.
إنه فريدريك نيتشه (1844-100) الفيلسوف الألماني الذي ولد وسط ألمان يرى أنهم قد غرقوا في المثالية فابتعدوا عن الحياة ويرى أنه والناس الحقيقيين محكوم عليهم من جانب غير المناسبين والحمقى ورجال الخداع والانتقام الذين يشوهون العالم والذي يطعنون الإنسانية، ومن هنا فإن مقاتل يحارب القيم البالية مبشراً بالجديد والذي هو فرح من أجل أن يجعل كل لحظة في الحياة عيداً يحتفل به الناس، عيداً للفرح.. إنه يدعو إلى فردوس جديد، لكنه يلاحظ هو نفسه "إن فردوسي قائم" (في ظل سيفي)" وهو نفسه يقول عن نفسه: "إنني لست صاحب أحلام يقظة وأنني أستطيع أن أجد فرحاً في سحب السيف وربما أيضاً أن لي قبضة قوية"... إنه نيتشه محارب ولهذا فإنه عندما يتفلسف فإنما يحمل مطرقة لهدم القديم الذي من الظلام ينبثق النور على يديه وداعياً إلى ديونيوس جديد.
وهذا الكتاب الحالي (هذا الإنسان) قد كتبه نيتشه عام 1888 عندما أخذ يضطرب عقلياً لكنه لم ينشر إلا بعد وفاته نشر عام 1908 وكما يقول أحد الدارسين فإن الكتاب لن يفهم تماماً إلا إذا أدركنا روح التهكم والسخرية فيه.. إنه ينقد عصره ويهاجم الألمان أبناء جنسه لأنهم أصحاب نزعة تجزيئية وهم الذين جعلوه مغارب بسبب نزعتهم التي تدعى المثالية.. والكتاب مفكك ولا يرجع الأمر فقط إلى ما كان ينتاب نيتشه من لحظات جنون ولكنه كان يتعمد أسلوباً خاصاً فهو يكتب وهو أشبه بطائر محلق يلمح ومضات ويعبر عن هذه الومضات.. إنه أسلوب يتم أشبه بصعق العاصفة الرعدية.
لكنه لم يكن أسلوباً أجوف ومجرد زخرفة خارجية فقد أراد أن يعبر عن اغتراب الإنسان ومحاولة قهر اغترابه.. يقول: "إنني أصبح واعياً باقتراب قطيع من البقر قبل أن أتمكن من رؤية القطيع بعيني".. لقد شعر مسبقاً باختناق الفرد وفقدانه لحريته ومن أجل هذا قرر نيتشه على حد قوله: "أن ابني لي سلسلة جبلية من الجبال الأكثر قداسة".. وبهذا الإحساس يروي نيتشه في هذا الكتاب تاريخه وتاريخ تكوينه وتاريخ مؤلفاته وعلاقاته بالمثقفين وعبر عن كل هذا كروح شفافة حيث يستحيل الفصاحة حسب تعبيره إلى موسيقى فالعبارة تهتز انفعالاً ومن ثم فإن ومضات البرق تسطع فوق مستقبل لم يحلم به إنسان. إقرأ المزيد