هكذا تأملت الكاهنة ميم (متون)
(0)    
المرتبة: 36,420
تاريخ النشر: 01/02/2006
الناشر: المؤسسة العربية للدراسات والنشر
نبذة نيل وفرات:دأب قدماء الطوارق على تنصيب الكاهنات زعيمات على مجتمعهن القديم بسبب نفاذ بصيرتهن وقدرتهن على استجلاب خفايا الغيوب تماماً مثل دأب قدماء اليونانيين على تنصيب النساء كاهنات في معبد دلفي بسبب مواهبهنّ في استقطاب النبوءات. فكانت الـ"بيثيا" بمثابة الناطق الرسمي باسمه الإله الذي يلجأ إلى معبدها كل مريد لترياق ...النبوءة. وما زالت هذه العقيدة (عقيدة الإيمان بالمرأة كرسول) سائدة في مجتمع الطوارق إلى اليوم مما خلع على معشر النساء مسوح قداسة قلّما نجد مثلها في أي مجتمع آخر. وهذه الوصايا التي تبدو أقرب إلى التمائم بابتسارها، بل وفي غموضها أحياناً، هي من إبداع هذه الروح الكهنوتية القديمة التي ميزت عقلية نساء ذلك الزمان، والتي لم تكن لها المتعة غاية وحيدة، ولكن كان لها الاستشفاء الروحي وظيفة ثانية، بل أولى. وربما لهذا السبب نراها تنبض بحرارة العبارة وسموّ الشعر، إلى حد ترتقي فيه إلى مستوى الترنيمة الغنائية المرفوعة إلى رحاب الرب. وليس ذلك غريباً على عمل أبدع أساساً كطقس ديني، أو فلنقل كتجربة سحرية انبثقت عنها الممارسات الاستسرارية إجمالاً بداية من الرمز المحفور على الصخر ونهاية بالأغنية كترجمة مسموعة لشعيرة الصلاة. هذه الصلاة التي بدأت وسوسة وجلة بالجمال، جمال الطبيعة الخفي الذي يحمل في إيمائه جمال المثال حتى أننا لم نكن لنطلق اسم الميم على كاهنة صلواتنا هذه لو لم تكن الميم في حقيقتها اللغوية رديفاً لأعجوبة الطبيعة كما يكشف لنا اللسان البدئي الذي ما يزال يجري في أخوار الطوارق إلى اليوم.
هكذا تأمل إبراهيم الكوني الكاهنة ميم ولعله انسلت إليه من وحيها تهويمات ومعاني ومتون تشكل بامتداداتها عمقاً فلسفياً يتراءى من خلاله سكون الصحراء المعبر عن روعتها في سكونها وحتى في كل أحوالها. وإبراهيم الكوني إلى هذا وكما في كل إبداعاته يشي بأن مخيلة الإنسان تبقى حبلى بأفكار وفلسفات وخيالات لا تنتهي. تشكل بمجملها صنعة أدبية ترقى في صياغاتها وتسمو في معانيها، وتزكي النفس بجمالاتها الأدبية والمعنوية. إقرأ المزيد