تاريخ النشر: 01/01/2003
الناشر: دار ابن حزم، دار المنارة للنشر والتوزيع
توفر الكتاب: نافـد (بإمكانك إضافته إلى عربة التسوق وسنبذل جهدنا لتأمينه)
نبذة نيل وفرات:"كنت يوماً أسير في شارع الرشيد، وإذا أنا بصديقي عبد الله يسير وحده، ففرحت بلقائه وهرعت إليه فحييته وسألته إلى أين يمشي، فقال بأنه يريد الباب الشرقي. قلت: ولم تمشي؟ أركب "باصاً". إذا لم يكن معك فلوس فخذ مني، معي بحمد الله. فضحك وقال لي: إني أريد الرياضة، ولقد ...كانت معي سيارة أسوقها بنفسي فأصابها عطل عند "رأس القرية"، فتركتها وسرت. قلت: ألا تخاف أن يسرقها أحد؟ قال: لا، إن الشعب يحبني كما أحبه. إي والله، لقد كان الشعب يحبه، وكيف لا يحبه وقد أنشأ له ملكاً، وأقام له دولة، وجعل له في الممالك المستقلة ذكراً؟ رحمه الله، رحمه الله. قلنا: ذلك هو الملك فيصل؟ قال: وعمن أحدثكم؟ لقد كان الملك نفسه، ولكني -لغباوتي وغلظ قلبي- لم أعرفه. أوهل سمعتم بملك يكون مع مثلي فلا يشعره أنه فوقه، وإنما يستدين منه فلساً ويعطيه ديناراً، ثم يكون مع الملوك فيشعرون من أنفسهم أنه فوقهم؟ رحمه الله، رحمه الله! سرت معه في الشارع، فما راعنا إلا الناس ينظرون إليه بعيون تفيض بالحب والإكبار، ثم يحيونه ويفتحون له الطريق ويمشون خلفه، وينظرون إلي فيعجبون مني إذ أتكئ على ساعد الملك. إنه يسندني ويعينني لأني شيخ كبير لا أطيق المشي... فلما بلغنا الباب الشرقي رأيت الجند قد وقفوا لتحيته وصاح صائحهم بسلام الملك، هنالك هوت رجلاي فلم تطيقا حملي. قلنا: ثم ماذا؟ قال: لقد بقي يحدثني من شباكه، ولكني لم أنتفع من نفسي بحديث، إني عرفت أنه الملك. واغرورقت عينا الشيخ بالدموع، فترك الزورق يمشي مع الماء ساكناً هادئاً -وكان الليل قد غمر النهر والشاطئين بسواده الفاحم- وطفق يقول همساً كأنما يناجي نفسه: رحمه الله، رحمه الله. لقد كان رجلاً.
لمحات إنسانية فلسفية اجتماعية أودعها "علي الطنطاوي" هذا النص كما باقي نصوصه التي شكلت مادة هذه المجموعة من مؤلفاته، حيث يأخذ القارئ إلى حيث يجد ذاته أحياناً أو يمتد آخرين شكلوا أحياناً شخصيات بعض قصصه، كما يأخذه في رحلة عبر التاريخ واصفاً سارداً لعبر مادتها تاريخية لكنها مغزاها ينطق على أي عصر قديم أو حديث، كما يصفه في مواجهة مع الناس ملقياً حكمة فلسفية ومصلحاً بعض ما اعتور تصرفات الناس من أخطاء فادحة مثلت خروجاً عن الدين الإسلامي وأخلاقيات الإنسان المسلم. إقرأ المزيد