تاريخ النشر: 01/01/1993
الناشر: دار عواد للطباعة والنشر
نبذة نيل وفرات:تتناول هذه الموسوعة المؤلفة من خمسة أجزاء تاريخ الشرق الأدنى وحضاراته، وهي إنما حصيلة عشرين عاماً صرفها المؤرخ منذ أواخر الأربعينيات حتى أوائل الستينات في قراءة التاريخ وتأمله ثم صدرت تباعاً في باريس إلى أن استقى صدورها في بيروت باللغتين الفرنسية والعربية. لقد ظل مفهوم التاريخ في هذا الشرق ...سردياً ضيقاً حتى جاء ابن خلدون وفتح المصرعين على الرواية التاريخية المستجلية التي تستنطق الأحداث لتستخلص منها الأسباب والنتائج معاً. ولتقفز رأساً على جواد بولس إلى مرحلة التحليل الذي يشبه إلى حد بعيد التحليل المخبري الذي تتفاعل فيه العناصر وتتولد منها وتتوالد عناصر جديدة قد يعزوها البعض إلى المصادفة والحظ إلا أنها في حكمة صانعها وروعته، الذي هو الخالق، محكومة بسنن الجغرافيا التي هي القالب والإنسان الذي هو القلب النابض منها، أي التاريخ. فالجغرافيا في نظر جواد بولس، هي رحم الأحداث، منها يولد الإنسان وفي خلاياه كل مكونات تركيبه الفيزيولوجي والنفسي والفكري حتى لكأنها نصه المكتوب ليلعبه على مسرح الوجود. ومع أن تأثيرات الجغرافيا تراجعت أمام زحمة المواصلات والاتصالات وآلة التدمير التكنولوجية ظاهرياً، وبرغم أن وسائلها باتت أوجز وأشرس وزمنها أسرع؛ إلا أنها في باطنها ظلت تتحكم بتركيبة الإنسان وتصرفه وتوجهه واهتمامه. فإنسان الشرق بقي عاطفياً مغرقاً في الطوباويات الدينية والميثولوجية؛ بينما بقي إنسان الغرب سابحاً في عوالم التطور وأسباب الرفاه. ولئن نعم الشرق بثروات أغدقتها عليه الطبيعة؛ إلا أنه في حمأة خياله بقي بعيداً عن تثمير هذه الثروات بمعرفته العلمية والتكنولوجية وترك الأمر توأمة بينه وبين الغرب الذي تولى الجزء التنفيذي في هذه المهمة. فكأن الحضارة بكفتيها الروحية الممثلة بالشرق والمادية المتجسدة بالغرب تكاملت في هذه التوأمة في توزيع متعادل وعادل ليستقيم الوجود فيها.
ومع ذلك بقيت المطامع والأهواء والميول تتحكم بمشاعر الشعوب وتدفعها تارة إلى الحرب وطوراً إلى الهدنة، فلم يكد العالم يعرف سلماً مستقراً في كل مراحل تاريخه بقدر ما عرف حروباً طاحنة كانت تطيح رؤوسه ومنجزاته. ومع ذلك استمرت لعبة الحياة التي هي أقوى من الموت واستمر الإنسان يؤرخ لها من غير أن يأخذ العبرة والاعتبار.
وجاء جواد بولس ليطرح ولأول مرة في تحليله التاريخي حكمة الجغرافيا في تحديد أدوار شعوبها وطيش القادة الذين ذهبت بهم سكرة الرؤوس ونشوة المشاعر إلى حدّ القضاء على حضارات من أجل أمجاد شخصية عابرة، فكان بذلك نابذاّ للحروب في إشاراته إلى الوجه النحاسي السلبي فيها.
ولأنه ابن لبنان، هذه البقة التي اجتاحت العواصم بحرْفيها وحِرَفِها فقد حق له أن يتحدث بلغة السلام لأنه ابن رسالة السلام الغازي بالمعرفة لا بالحرب. لقد أدرك جواد بولس في نظرته الأبوية إلى التاريخ أن العناية الإلهية التي صنعت الجغرافيا دست في طياتها تروس حماية لها وإلا لما أطاحت الجغرافيا عروشاً وإمبراطوريات كلها زالت في الماضي وكلها إلى زوال في المستقبل وعادت الشعوب إلى قواعدها الطبيعية التي رسمتها يد العناية الإلهية في خطوط جغرافية وبحرية واتجاهات. ولا أدلّ على واقع هذا الزوال من إمبراطورية الشرق الروسية التي شبكتها يد الإنسان بالأيديولوجيا ونسختها يد الطبيعة بالعرق فعادت الشعوب إلى قواعدها الجغرافية والتاريخية الأصيلة لتلعب أدوارها كما رسمتها الطبيعية، أي كما رسمها الخالق. أدرك جواد بولس في نهاية مطافه التاريخي هذه الحكمة الأزلية وشدد على العمل بها لئلا يرتمي أي قائد ويرمي شعبه في شباكها اللعينة التي لا ترحم.
فالجغرافيا، يقول، تعاقب اليد التي تمتد إليها وكأنه في قرارة نفسه يعني الذي التي تتطاول على صنائع الخالق وعلى الأقدار التي رسمها الخالق من خلال الطبائع المتطبعة بالطبيعة ومن خلال التوجهات التي رسمتها الجغرافيا في أطرها القارية أو البحرية. السياسة هي ثبت التاريخ، والتاريخ هو ابن الجغرافيان والجغرافيا لا تتغير فعبثاً يحاول المحاولون. وخير شاهد قدمه جواد بولس في موسوعته هذه، وهي على أي حال تصلح شهادة اليوم وغداً أبداً.
هذا ويمكن بيان المعالجة التاريخية لجواد بولس في كل جزء من هذه الأجزاء. الجزء الأول: منذ الأصول حتى 1600 ق.م. الجزء الثاني منذ انهيار إمبراطورية الهكسوس حتى الفتح الروماني (1600-64 ق.م). الجزء الثالث: منذ الفتح الروماني حتى التوسع العربي الإسلامي (64 ق.م-640 ب.م). الجزء الرابع: منذ التوسع العربي-الإسلامي حتى الفتح التركي-العثماني (640-1517). الجزء الخامس: الشرق الأدنى العثماني (1517-1918) والشرق الأدنى ما بعد العثماني (1918-1930). إقرأ المزيد