تاريخ النشر: 01/09/2005
الناشر: مؤسسة الإنتشار العربي
توفر الكتاب: نافـد (بإمكانك إضافته إلى عربة التسوق وسنبذل جهدنا لتأمينه)
نبذة نيل وفرات:يمثل كتاب "تاج التراحم والقسم الإلهي والأحدية وحلية الأبدال ورسائل أخرى" المجلد الخامس من سلسلة الأعمال الكاملة من رسائل محيي الدين بن عربي. وهو يحتوي على ثماني رسائل كتبت في فترات متفاوتة، والأعمال هذه كلها لابن عربي كتبت بالنور لا بالفكر العام. والفرق بينها أن صاحب الفكر يظن ظناً. ...أما صاحب النور الذوقي فإنه يكتب ما يملى عليه من القلب، والقلب يأخذ من عند ربه. وكأنه يعاين الأمر معاينة، ولكي يفهم هذا الكلام ذوقاً لا فكراً فإنه لا بد للقارئ أن ينظر إلى مطلب الحق لا مطلبه هو. فمثلاً يقول ابن عربي إشارة: (بالحق تجد الحق فلا تطلبه بك، فإنك ما تجد سواك أيها الطالب) فحين تطلب فمرادك الطالب في الحقيقة، وحين تنظر إلى مراده فتعمل له فإنه يطلبك ما دمت مع مراده. ولعل هذه الإشارة تتضح حين إيراد ما فعله نبي الله. قال داود (عليه السلام): "يا رب أين أطلبك؟ قال: يا داود، أنت من أول قدم فارقتني. قال: يا رب وكيف؟ قال: لأنك جعلت الطلب منك إليّ، ولو جعلته مني إليك لوجدتني".
وهذا المعنى لا بد يشدنا إلى معرفة الفرق بين طلب العبد وطلب الرب، وماذا عسى للعبد أن يعمل حتى يطلبه ربه. والجواب عليه يصدق توجهه إلى الله، فإن الله حين يريده يشهده، والعبد حين يريد يحجبه، لأن الإرادة منك لا توصل إلا إليك، ولا توصل إليه أبداً. فإن الطلب الحقيقي هو صدق التوجه إليه، لا لشيء ولكن لأنه يستحق منا العبودية فهو رب عظيم. فإرادة العبد تحجبه، وإرادة الرب توصله. فاجعل إرادتك إرادته. ولا يمكن أن يحدث ذلك إلا بحبه، ولا تستطيع أن تحبه حتى تكثر من ذكره. فقد قال الرسول الكريم: "من أحب شيئاً أكثر من ذكره". وقد يبلغك هذا الذكر الخير الكثير، في الظاهر والباطن دنيا وأخرى.
وهذا العلم الغزير الذي يفيض به علينا محي الدين بن عربي إنما هو ثمرة من ثمرات ترك الإرادة لله. فإن تركها له منتهى العمل. يقول ابن عربي: "اجعل قلبك مثل مكة يجبى إليه ثمرات كل شيء رزقاً من لدن ربك. هذا من الشام، وهذا من مصر، وهذا من اليمن، وهذا من نجد. هذا من كذا، وهذا من كذا. نعم، هكذا وجد ظاهر الصورة، عطلها الحق في الحقيقة فقال: (رزقاً من لدنّا) لا من الجهات. ولكن أكثرهم لا يعلمون. نسبوها إلى الجهات وما ذكروا الحق. فإذا جعلت قلبك مثل مكة تجبى إليه الثمرات حقائق الأسماء، وحقائق الأكوان. فلا تقل هذا كون فلا أقبله. الكل من لدنه. وما بعثه إليك إلا لحقيقة فيك تطلبه وإن لم تشعر في الوقت صورة الكمال في العلم والعمل..." وحين يسلم القلب الوجهة له تعالى، فإنه يملؤه النور اللازم له. فلا يقف معه فهم ولا شيء.
فيا أيها القارئ.. اقرأ هذه الرسائل وادخل عليها بروحك لا بعقلك فقط. فإن دخلت عليها بعقلك فقط فإنك لن تقرأ إلا نفسك. وإن دخلت عليها بروحك امتلأ قلبك نوراً، وعقلك حكمة، وازددت بصيرة على البصر والفكر. فلا تحرم نفسك من النور، واقنع بأن هناك إدراكاً أعلى للروح. فزكّها بالذكر تعطك الكثير والكثير. وتجبى إليك ثمرات كل شيء رزقاً من لدنه تعالى. إقرأ المزيد