فتاوى شيخ الإسلام في تونس محمد العزيز جعيط واجتهاداته وترجيحاته
(0)    
المرتبة: 81,797
تاريخ النشر: 01/09/2005
الناشر: دار ابن حزم
توفر الكتاب: نافـد (بإمكانك إضافته إلى عربة التسوق وسنبذل جهدنا لتأمينه)
نبذة نيل وفرات:هذه بعض فتاوى قد حبرتها يد الشيخ محمد العزيز جعيط، كانت قد مسّت الحاجة إلهيا ودارت واقعات الأمة عليها، ورغب السائلون في الاستفسار عنها، وإلى معرفة حكم الله فيها، فأجاب بها الطالبين ويسر حكمها للراغبين من أبناء البلاد وخارجها. كان رحمه الله يعزز فتواهم بالنصوص التي هي في تاج ...الحسن فصوص، ويطرزها بالأدلة المشيدة والبراهين المفيدة غالباً ما يعقبها بشرح مركب من تمهيد أصل بمقدمة وفصلين أو ثلاثة وخاتمة.
ومعلوم أن المفتي في زمانه إذا استفتي في مسألة وسئل عن واقعة، فإن كان المسألة مروية على المتقدمين ظاهرة فيما قرره العلماء النحارير بلا خلاف بينهم، فليس للمفتي أن يفتي فيها إلا بفتواهم لا يخالفهم إن كان المفتي في زمانه لا يفتي إلا بمشهور مذهب إمامه لا يجوز له أن يحيد عنه وإن كانت حجته بالنسبة لحجة غيره واهية وحجة غيره أظهر، ودليله أبين، ذلك أن الأمر الذي سمي به مفتياً ينص على الالتزام بالإفتاء بمذهب هذا الإمام أو ذلك. وقد كان المفتون بالديوان (المحكمة الشرعية) مالكية وحنفية، وليس لمن انتسب لأحد المذهبين أن يفتي بغير المذهب الذي انتسب إليه، ولو كان فهي من الاستعداد ما بلغ به رتبة الاجتهاد.
أما إذا كانت المسألة مما اختلف فيها في المذهب وتعددت الأقوال فعليه أن يفتي بالمعتمد منها ولا يحيد في فتواه عما جرى به العمل معتمداً في ذلك على شرح المختصر الخليلي، وشرح رسالة ابن أبي زيد القيرواني، وما جاء في فتاوى البرزلي، بالقول الراجح مما توفرت فيه الشروط واستجمع أدلة الصواب وإن خالف قول الإمام. أما إذا كان الاختلاف اختلاف عصر وزمان الأخذ رحمه الله بما يتماشى مع الزمان لتغير أحوال الناس باختلاف الزمان إذا ما كان عرفتً في زمان قد يتغير الحكم فيه بتغيير العرف والزمان وعليه العمل، أما ما كان من المستحدثات المستجدات خصوصاً بعد الاستقلال وإطلاق المفتي من العقال بالالتزام بمذهب إمامه، فإن سئل واستفتي في حادثة أفتى فيما بما تقتضيه القواعد الأصولية العامة والقواعد الفرعية، وبما أفضى إليه فيها اجتهاده بعد أن ينقل آراء المجتهدين على اختلاف المذاهب السنية الأربعة، ثم يبرز أرجحها حسبما تقتضيه القواعد وجرت به الأعراف والعوائد. وإن كانت مما لم يسبق لها نظير اجتهد رأيه جرياً على ما تقتضيه القواعد والمقاصد الشرعية وعمومات القرآن وإشارات السنة النبوية، وحسبما تقتضيه المصالح المرسلة.
كان رحمه الله يذكر الحكم في فتواه بإيجاز ثم يردف بالشرح والبيان، وكان لا يجازف في فتواه فلا يفتي إلا بعد استجماع ما يثبت به عنده الجواب خوفاًَ من الافتراء على الله تعالى بتحليل الحرام أو تحريم الحلال. وقد يقيد فتواه بفوائد كانت محجوبة فيظهرها، ومذاهب فطاحل من أئمة الدين يبرزها وينقلها من أصولها المعتمدة فيتبعها ويثبتها ويقارن بينها ثم يفحصها ويختبرها على ما تقتضيه الأصول والقواعد والمصالح... وقد كانت غايته من هذه التعليقات والشرح والإيضاحات إرشاد المشاركين، فإن من له مشاركة علمية لا يكتفي بمجرد الإخبار بالحكم في مسالة المستفتي عنها، بل يطلب تقريراً أو تحريراً يشتمل على ما انبنت عليه الفتوى من القواعد والأصول حتى تتضح المسالك بعد اشتباه الحال، وحتى يرتفع اللثام عن وجه التوقف ويزول الإشكال. إن في المنهج المتبع فوائد كثيرة منها إبراز الدليل الصحيح من المنقول والمعقول، فلا يقتصر على فقه السنة وحدها، وعلى فقه الرأي وحده، وليس للفتوى الشرعية اعتبار إذا لم تعتمد على الكتاب والسنة ومعرفة الأحكام الفقهية المتعلقة بتلك المسألة، إذ لا تتكون قناعة عقلية ولا متعة نفسية لمن كانت له مشاركة علمية إذا خلت الفتوى من الدليل، ولا اطمئنان للعالم ولا للمتعلم إذا لم تستند إلى دليل المذموم في القرآن إلى إتباع المقرون بالبصيرة الذي يشترطه العلماء والأئمة فيمن يتلقى العلم منهم.
ذلك أن إظهار أدلة الأحكام وإبراز مقاصدها الشرعية كتعيين المصلحة المرسلة وإجلاء العرف والعادة وإظهار الذريعة وغيرها مما انبنت عليه الأحكام الفرعية هي روح هذه الأحكام. إقرأ المزيد