تاريخ النشر: 01/08/2005
الناشر: دار المحجة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع
نبذة نيل وفرات:ويحك يا نفس تعرضين عن الآخرة وهي مقبلة عليك، وتقبلين على الدنيا وهي معرضة عنك، فاحذري يا مسكينة يوماً آلى الله تعالى فيه على نفسه أن لا يترك فيه عبداً أمره في الدنيا ونهاه حتى يساله عن عمله دقيقه وجليله سرّه وعلانيته، فانظري بأي بدن تقفين بين يدي الجبار ...وبأي لسان تحبين؟! فليكن نظرك يا نفس إلى الدنيا اعتباراً وسعيك لها ضرراً ورفضك لها اختياراً وطلبك للآخرة ابتداراً، ولا تكوني ممن يعجز عن شكر ما أوتي ويبتغي الزيادة فيما بقي وينهى الناس ولا ينتهي. واعلمي أنه ليس للدين عوض ولا للإيمان بدل. فاتعظي يا نفس بهذه الموعظة واقبلي هذه النصيحة، فإن من أعرض عن الموعظة فقد رضي بالنار، وما أراك بها راضية ولا لها راعية، فإن كانت القساوة تمنعك عن قبول الموعظة فاسبقيني عليها بدوام التجهد والقيام، فإن لم تزل معرضة فبالمواظبة على الصيام فإن لم تزل على حالها فبقلة المخالطة والكلام، وإن لم تزل كما هي مفصلة الأرحام واللطف بالأيتام، فإن لم تزل فاعلمي أن الله قد طبع على قلبك وأقفل عليه وأنه قد تراكمت الذنوب على ظاهره وباطنه.
فوطّني نفسك على النار فقد خلق الله الجنة وخلق لها أهلها، وخلق النار وخلق لها أهلها، وكلٌّ مسير لما خلق. فإن لم يبق فيك مجال للوعظ فاقنطي من نفسك، ولا تقنطي من رحمة الله؛ فالقنوط كبيرة من الكبائر نعوذ بالله منها. فلا سبيل إلى القنوط ولا سبيل لك إلا الرجاء مع انسداد طرق الخير عليك فإن ذلك اعتزاز وليس برجاء. فانظري الآن هل يأخذك حزن على هذه المصيبة التي ابتليت بها، وهل تسمح عيناك بدمعة، فإن سمحت فقد بقي فيك موضع للرجاء فواظبي على النياحة البكاء، واستغيثي بأرحم الراحمين واشتكي إلى أكرم الأكرمين، وأدمني على الاستغاثة ولا تملّي، لعل الله يرحم ضعفك ويغيثك؛ فإن مصيبتك قد عظمت، وبليتك قد تفاقمت، وتماديك قد طال، وقد انقطعت منك الحيلن وزاحت عنك العل فلا مذهب ولا مقلب ولا مستغاث ولا مهرب ولا منجا ولا ملجأ إلا إلى الله. فافزعي إليه بالتضرع واجزعي في تضرعك على قدر عظم جرمك وكثرة ذنوبك فإنه يرحم التضرع الذليل، ويغيث الطالب المتلهف ويجيب دعوة المضطر الذليل.
هكذا يحاسب المرء نفسه، وهكذا يراقها، فمن حاسب نفسه قبل أن يحاسب خفّ في يوم القيامة حسابه حضر عند السؤال جوابه. وحسن منقلبه ومآبه ومن لم يحاسب نفسه دامت حسراته وطالت في يوم القيامة وقفاته فرابط أيها المرء نفسك أولاً بالمشارطة، ثم المراقبة، ثم المحاسبة، ثم المعاقبة، ثم المجاهدة، ثم المعاتبة فكان لك في المرابطة ست مقامات، كان لا بد للعلامة الكبير الفيض الكاشاني بيانها، فبيّنها في هذا الكتاب، وذلك للكشف للمرء طريق الرجوع إلى الله. إقرأ المزيد