تاريخ النشر: 01/08/2005
الناشر: دار المحجة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع
نبذة نيل وفرات:إن شرف الإنسان وفضيلته التي فاق بها جملة من أصناف الخلق هو باستعداده لمعرفة الله سبحانه، التي هي في الدنيا كماله وجماله وفخره، وفي الآخرة عدّته وذخره. وإنما استعد الإنسان لهذه المعرفة بما وهبه الله تعالى من نعمة القلب لا بجارحة من الجوارح. وللقلب ميزات، فهو العالم بالله، وهو ...العامل لله، والساعي إلى الله، وهو المتقرب إليه، وهو الكاشف لما عند الله، وإنما الجوارح أتباع للقلب وخدم له، وآلات يستخدمها القلب، ويستعملها استعمال المالك للعبيد، واستخدام الراعي للرعية، والصانع للآلة. والقلب هو المقبول عند الله إذا سلم من غير الله، وهو المحجوب عن الله إذا صار مستغرقاً بغير الله، وهو المطالب وهو المخاطب، وهو المثاب والمعاقب. وهو الذي يستعد بالقرب من الله تعالى فيفلح إذا زكاه، وهو الذي يخيب ويشقى إذا دنسه ودسّاه. والقلب هو المطيه لله بالحقيقة، وإنما الذي يظهر على الجوارح من العبادات فهي أنواره. والقلب هو العامي والمتمرد على الله، وإنما ما يظهر على الأعضاء من الفواحش فهو آثاره، وبإظلام القلب واستنارته تظهر محاسن الظاهر ومساوئه، إذ كل إناء يرشح بما فيه. والقلب إذا عرفه الإنسان فقد عرف نفسه، وإذا عرف نفسه فقد عرف ربه. ومن جهل بقلبه فهو بغيره أجهل. والقلب إلى هذا هو لطيفة ربانية روحانية لها تعلق بهذا القلب الجسماني. وهذه اللطيفة هي حقيقة الإنسان، وهو المدرك، والعالم والعارف، وهو المخاطب والمعاتب والمطالب.
وقد تحيرت لقول أكثر الخلق في إدراك وجه علاقته بالجسم، فإن تعلقها به يضاهي تعلق الأعراض بالأجسام، والأصاف بالموصوفات، أو تعلق المستعمل للآلة بالآلة، أو تعلق المتمكن بالمكان. وشرح ذلك مما يتوقى لسببين: الأول، إن ذلك يعود إلى علم المكاشفة، وليس غرضاً في هذا الكتاب إلا علوم المعاملة. الثاني، إن تحقيقه يستدعي إفشاء سر الروح وهو لم يتكلم فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس لغيره أن يتكلم فيه.
والقلب بهذا المعنى هو المقصود بحثه في هذا الكتاب، والغرض ذكر أوصافه وأحواله لا ذكر حقيقته في ذاتها. فعلم المعاملة يتناول معرفة الصفات والأحوال لا حقيقة الشيء ذاته. هذا وأن أكثر الخلق جاهلون بقلوبهم وأنفسهم، وقد حيل بينهم وبين أنفسهم، فإن الله يحول بين المرء وقلبه، وحيلولته بأن لا يوفقه لمشاهدته ومراقبته، ومعرفة صفاته، وكيفية تقلبه بين إصبعين من أصابع الرحمن، وأنه كيف يهوى مرة إلى أسفل سافلين وينخفض إلى أفق الشياطين، وكيف يرتفع أخرى إلى أعلى عليين ويرتقي إلى عالم الملائكة المقربين. ومن لم يعرف قلبه لكي يراقبه ويراعيه ويترصد ما يلوح عليه من خزائن الملكوت، فهو ممن قال الله تعالى فيه: (ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون). فمعرفة القلب وحقيقة أوصافه أصل الدين وأساس طريق السالكين.
من أجل ذلك يأتي هذا الكتاب الذي يبيّن فيه المؤلف مقامات القلب مستهلاً ذلك ببيان ميزاته وصفاته والأسباب المانعة من تجلي الحق في القلب وأقسام القلوب في التغيير والثبات منتقلاً من ثم إلى الحديث عن المحبة والشوق الرضا والأنس؛ وأيضاً للحديثان ثم عن النية، الإخلاص والصدق منهياً ذلك بحديث عن التوكل والتوحيد. إقرأ المزيد