تاريخ النشر: 01/07/2005
الناشر: المؤسسة العربية للدراسات والنشر
نبذة نيل وفرات:كثيراً ما نسمع عن مجلة شعر، وتجمع شعر، فما هي هذه المجلة، وما منزلتها الأدبية بين المجلات الأخر؟ متى كان ظهورها لأول مرة؟ ومن هو المشرف عليها المؤسس لها؟ ومن هم كتابها وشعراؤها الذين التزموا الكتابة فيها وعبروا عن وجهها الثقافي والإبداعي والنقدي؟ وهل كان لهذه المجلة دور في ...تحديث الخطاب النقدي؟ وهل ينسب هذا الدور النقدي إلى الريادة أم أنه كعيره تكرار واجترار لما كانت تعيش عليه المجلات من فتات النقد القديم أو من بقايا موائد النقد الغربي؟ هذه الأسئلة وأسئلة أخرى غيرها كانت مدار البحث الطويل المضني الذي قامت به الباحثة ساندي أبو سيف، ضربت خلاله مثلاً شروداً في الصبر والجلد والمثابرة في البحث، فاستوى لديها في تمهيد وثلاثة فصول وخاتمة وثبت بالمصادر والمراجع.
أما الفصل الأول فعرض فيه لموقف المجلة من الشعر وطبيعته، وعنيت بآراء الخال وأدونيس وغيرهما ممن جعلوا الشعر ضرباً من الرؤى خلافاً للنظرة التقليدية الجامدة التي رأت فيه مواعظ ورسائل أخلاقية ودينية ومستخلصات معرفية لا علاقة لها بالإحساس أو الوجدان. وقد تتبعت الينابيع الثرّة التي استمد منها كتاب المجلة ونقادها هذه الفكرة، وتحول البحث من دراسة في الشعر ونقده إلى نبش في الأصول الفلسفية لفكرة التنبؤ والحدس والمعرفة الاستشرافية في الميتافيزيقيا الألمانية والفرنسية فضلاً عن التصوف الإسلامي والمسيحي، إلى جانب الفلسفة الوجودية، والظلال التي ألقت بها على الفكر العربي المعاصر في خمسينات وستينات القرن الماضي.
وبما أن ساندي أبو سيف لا تكتفي بالعرض التاريخي لمسيرة المجلة، بل تتعمد المساجلة والحوار مع القضايا النقدية التي طرحت على صفحاتها، وكانت محور نقاشات اشتد فيها الخلاف، فقد رأت أن تجلو موقف المجلة من الالتزام الذي هو مفهوم نقدي شاع في الأدب العربي لعاملين، أولهما: الاتصال بالنقد المتأثر بالوجودية حيناً، وبالنقد المتأثر بالماركسية حيناً آخر. وثانيهما: نشأة حركة التحرر الوطني والاجتماعي في أقطار عربية عدة، منها مصر والسودان والجزائر واليمن وفلسطين. وما استتبع ذلك من ظهور أفكار جديدة عن وظيفة الفن عامة، والشعر على وجه الخصوص.
ولما كان جيل الآداب، ومجلة شعر، هو جيل الحداثة، فقد استأثرت بكتابات المجلة فكرة التجديد في الشكل والأسلوب والبناء الفني للقصيدة ونسيجها اللفظي. وذلك ما كان موضع عناية الباحثة واهتمامها في الفصل الثاني، الذي رصدت فيه مواقف المجلة من علاقة الحداثة بالتراث مثلاً. وهي علاقة يراها يوسف الخال قائمة على التفاعل الحميم، فالشاعر الجيد هو الذي يستطيع أن يبدع مبتكراً صوته، دون أن يتخلى في الوقت نفسه –عن أصوات الشعراء الذين سبقوه، أي أن الحداثة لا تعني الانسلاخ من التراث، وهذا ما يذهب إليه، أيضاً، أدونيس.
ورصدت أيضاً موقف المجلة من الشعر الحر، وتطرقت كذلك لموقف المجلة من قصيدة النثر، ومساهمة بعض كتابها وشعرائها في كتابة هذا اللون من الأدب، أو في الدفاع عنه بترجمة مقالات تؤصل لهذه القصيدة في الأدب الغربي، أو بنشر نماذج في الأعداد التي صدرت لأنسي الحاج ومحمد الماغوط، وشوقي أبو شقرا، وجبرا إبراهيم جبرا، وأدونيس.
ومع أن البحث يستهدف تتبع قضايا النقد الأدبي في مجلة شعر، إلا أنه لم يقتصر على ذلك، لأن من القضايا التي طرحت فيها ما يختص بالعشر، كاللغة، والغموض، والأسطورة. وقد أحسنت الباحثة صنعاً بتتبع ما نشر فيها من نماذج، ودراسات، وأبحاث، وعروض نقدية، وترجمات تتصل بهذه المظاهر، التي هي أبرز مقومات الحداثة في القصيدة العربية المعاصرة.
فأفردت فصله للغة الشعرية، ناقشت فيها موقف المجلة من زيادة فاعلية العربية الفصيحة في الشهر، وكشفت عما ظهر في المجلة من توجه لتبني العامية أداة تعبير، فنشرت من هذا النوع الشعري نماذج لميشال طراد, وتجاوزت ذلك إلى نشر مقالات حول تجربته، ولكن الخال، الذي تعاطف مع تجربة طراد، قلما استخدم العامية في شعره. وأوضحت الباحثة ما وقع فيه من تناقض بين الدفاع عمن يكتب بالعامية والثناء على كتاب النويهي قضية الشعر الجديد الذي اكتفى فيه بالدعوة لتبسيط اللغة. ولم يفت الباحثة أن تتبع، بإحساس يقظ، موقف آخرين في المجلة من هذه المسألة، وهو يتلخص في نبذ اللغة التقليدية، وتجديدها بحيث يتم التخلي عن التعبيرات البالبة، والبحث عن لغة شخصية جديدة تحفل بطاقات إيحائية نابعة من تجربة المبدع، وأن تتحول هذه اللغة إلى أداة للكشف عن أسرار العلاقة الجديدة التي تقوم بين الشاعر والكون.
ووقوف ساندي إزاء رأي المجلة في الغموض شيء يخدم توجّه الباحثة الحداثي. ومثلما تتبعت الباحثة موقف المجلة من التراثن واللغة، والغموض، والشكل، وقصيدة النثر، تتبعت أيضاً موقفها من الأسطورة. إقرأ المزيد