الاحتلال الأمريكي للعراق ؛ صوره ومصائره
(0)    
المرتبة: 118,199
تاريخ النشر: 01/07/2005
الناشر: مركز دراسات الوحدة العربية
نبذة الناشر:ككل احتلال عسكري واكبته حملة إعلامية منه لتضليل العدوّ أو لتزوير الحقائق أو لتلميع صورته، سعي الاحتلال الأمريكي للعراق في التوسل بالأدوات الإعلامية سلاحاً استراتيجياً في الحرب والغزو والاحتلال، ضاهَى في فتكِه وآثاره أسلحة الدمار التي استخدمها الجيش الأمريكي في تدمير بغداد ومدائن العراق. أُعِدّت حَملاتُه الإعلامية، بعناية فائقة، لاختراع ...حقائق ليست تنتمي إلى الواقع: تبريراً للحرب وخداعاً وتضليلاً للرأي العام العالمي، ولتلميع صورة "الرسالة" التي أتى بها الأمريكيون-أو أتت بهم-إلى العراق. وبدل أن تقدم "الرسالة" تلك نفسها-مثلما هي كذلك-رسالة قتل للإنسان وتدمير للكيان ونهب للثروة، بدت -من خلال الصناعة الإعلامية الأمريكية- رسالة "تحرير" للعراق و"نشر للديمقراطية" فيه!
ولم تكن هذه الصورة هي التي انطبعت في أذهان الناس في العالم عن أمريكا وحربها على العراق. فالصورة الأوسع انتشاراً هي صورة العدوانية الأمريكية، والحرب القذرة غير العادلة، ومظلومية الشعب العراقي، والنهم الأمريكي لنهب ثروات العالم وسحق إرادات من يتطلعون إلى حفظ استقلال قرارهم أو الاعتراض على الانفرادية الأمريكية في تقرير مصير العالم. ومثلما سعت إدارة بوش في "شيطنة" صورة العراق ونظامه السياسي قبل الغزو، تبريراً منها لذلك الغزو، انتهى الحذق الإنساني والتيقظ العام العالمي إلى إدراك سخف تلك "الشيطنة"، بل جنح قسم كبير من الرأي العام الدولي -ومن ذوي الضمائر الحية- إلى "شيطنة" صورة الإدارة الحاكمة في الولايات المتحدة الأمريكية، أو قبل إلى تمثل تلك الإدارة على ذلك النحو.
لنقل إذن إن توازناً ما حدث في المعركة الإعلامية وفي إنتاج الصور والتمثلات بين المحتل وبين من ناهضوا احتلاله. تطلع الأول إلى احتكار الرواية -رواية ما حدث- واحتكار إنتاج الصورة عما حدث. لكنه ما أحرز كبير نصيب في الاحتفاظ به. فلقد كسر مناهضوا الحرب احتكاره، ودخلوا طرفاً أصيلاً وقوياً في خضم معركة الإعلام وإنتاج الصور ليخففوا من غلواء سطوة آلته الإعلامية الضاربة. وها هم، اليوم، يستدرون تناقضات روايته الإعلامية ويكشفون عن مفارقاتها وأزعوماتها، دافعين بها إلى المزيد من الانفصاح (انفضاح أزعومة امتلاك العراق أسلحة الدمار الشامل وعلاقته بتنظيم "القاعدة" مثلاً).
ويتصل بتقهقر أداء الماكينة الإعلامية الأمريكية، تقهقر رديف لآلة الاحتلال الحربية. بدت الآلة تلك مندفعة بجنون -مثل الآلة الإعلامية- في ابتداء الغزو والاحتلال، فجرفت أمامها جيشاً ودولة، ونشرت الرعب في كل مكان، وابتزت اندفاعتها حتى القوى الدولية الكبرى التي انبرت في مجلس الأمن معترضة على الحرب (فرنسا، روسيا، ألمانيا)، لتستدرجها صاغرة إلى البصم على الاحتلال الأمريكي كأمر واقع على نحو ما حصل في قرار مجلس الأمن 1483 وما تلاه من قرارات! ولكن سرعان ما تبين أن سلاح أمريكا ليس وحده في الميدان، وإنما ينازله في المعترك سلاح المقاومة ويضارعه تأثيراً وإيلاماً. وشيئاً فشيئاً، كان سلاح أمريكا ينكفئ من المدن والأحياء والشوارع إلى الثكن والقواعد المحصنة، فيما يتقدم سلاح المقاومة ليسيطر على مناطق برمتها محرراً إياها من سلطان الاحتلال، ولينظم عملية إرهاق يومي لأمن المحتل حتى في داخل تحصيناته. وها هو الاحتلال يعترف، اليوم، بلسان جهير أن قدرته على كبح جماح المقاومة يتناقص بمعدل يناسب صعود نجمها في سماء العراق وصعود أسهمها في حساب بناء المستقبل الوطني.
لنقل مرة أخرى إن توازناً ما حدث في قوة الردع والقتال بين ماكينة القتل عند الاحتلال وآلة الرد عند المقاومة. وهو توازن لا يقبل القياس بعدد ما لدى المقاومة من قطع سلاح مقارنة بما يتسربل به الاحتلال من آخر منتجات تكنولوجيا القتل البرية والجوية، إذا المقارنة هنا كمية، وإنما يقاس بمعطيات الفعالية: فعالية سلاح معتد خائف على نفسه وفعل سلاح أهل الأرض والوطن المؤمنين بعدالة قضيتهم. لنقل أيضاً إنه أكثر من مجرد توازن في إلحاق الأذى لدى الطرفين: إنه اختلال في توازن الإرادات لصالح إرادة المقاومة ومشروعها لدحر الاحتلال وتحرير الوطن، وبناء العراق الديمقراطي الموحد.
تدور مواد هذا الكتاب حول الموضوعين المترابطة إياهما: صورة الاحتلال ومصيره. صورته عن نفسه، وصورة العالم عنه. ثم المصير الذي تأخذه إليه تناقضاته وتهالكه في الداخل العراقي، والكتاب هذا استئناف لما سبقه من كتب نشرها المركز حول العراق في السنتين الأخيرتين: متابعة للأوضاع فيه، وتحليلاً للديناميات المختلفة التي تصنع تلك الأوضاع. إقرأ المزيد