تاريخ النشر: 01/03/2005
الناشر: المؤسسة العربية للدراسات والنشر
نبذة نيل وفرات:"أحضرت الحصان إلى غرفتها، ثم قيدته من قوائمه وربطت عنقه إلى ساق السرير، وأمرته أن يكف عن الصهيل كي لا يستيقظ الجيران، فتجأر حناجرهم بالصياح والغضب، أو تذهب بهم الظنون حد اتهامها بإحصاء كائنات غريبة إلى غرفتها بعد انقطاع السابلة، وانطفاء الأضواء.
أذعن الحصان لرغبتها كما اعتقدت، ثم نامت مطمئنة ...فوق سريرها كما لم تنم منذ أجيال. استيقظت صباحاً فلم تجد أثراً للحصان، ولا لسريرها الذي فر من تحتها تحت جنح الظلام.
حدث هذا لدهشتها البالغة، والباب مازال موصداً من الداخل تماماً مثلما كان قبل أن ينام الحصان".
تجتهد قصص "محمود شقير" هذه في تحويل العالم الواسع إلى وحدات كتابية صغيرة. والاجتهاد بداهة، مسكون بالمفارقة لأن اختزال الواسع إلى الصغير مشقة زائدة. بيد أن شقير يرد على السؤال بطريقين متلازمين: يأتي الرد الأول من الوحدة الكتابية الصغيرة التي يوسعها البناء الداخلي الكتابي، إذ الفاصلة معنى والحرف تصريح والفراغ بين السطور قول وإيحاء في آن. وما طموح "الكتابة الخالصة" إلا هذا الجهد الشاق في توظيف علاقات الكتابة كلها في بناء إبداعي، محدود الكلمات وواسع المعنى. ويأتي الرد الثاني من هندسة الوحدات الكتابية المتراصفة، التي يضيء بعضها بعضاً، منتهية إلى لوحة عريضة المساحة، تستنطق أحوالاً إنسانية مختلفة. ولعل الرجوع إلى عناوين القصص المتلاحقة، يكشف عن تبادلية الإضاءة بين الوحدات المختلفة التي تتحول، في النهاية، إلى لوحة واحدة، وترى إلى عالم الإنسان في احتمالاته المتعددة.
يبدأ محمود بهندسة الكلمات وبناء وحدة كتابية ضيقة، وما هي بالضيقة، ويعطف الوحدة على غيرها، واصلاً إلى قصة شاسعة، تحكي اغتراب الإنسان في ثنائيات متلاحقة عناوينها: اللقاء والفراق، الحضور والغياب، الامتلاء والحرمان، التواصل والغربة، الظلم والعدالة، والفرح القليل وذلك الفرح المأمول المؤجل الوصول. وفي هذه الثنائيات المتواترة، التي يكتسحها الاغتراب، يلتقي الفلسطيني بثنائياته المحتملة: الأمن والتهديد، الخوف والمقاومة، الموت والحياة، الإرهاب وإرادة التحديد التي لا تنتهي. يحضر الفلسطيني في قصص خاصة به، قوامها التحدي الظالم والمقاومة العادلة، ويحضر في القصص جميعاً، ذلك أن منظور القصص المفعم بالدفء والمحبة والإنسانية، التي لا تفارقها كآبة ملتبسة، ينطوي على تجربة إنسانية كثيفة شاسعة، هي صورة عن القدر الفلسطيني المخلوق من التراجيديا والبطولة. إقرأ المزيد