تاريخ النشر: 01/12/2004
الناشر: دار الرافدين للطباعة والنشر والتوزيع
نبذة نيل وفرات:مرت علي أبي طالب ساعات رهيبة كان خلالها في سورة عميقة من الحزن، وموجة زاخرة من الهم، لا يهدأ له بال، ولا يكاد يستقر على حال. أقبل الليل على شيخ الأبطح فزاد ظلامه الحالك في ظلمة نفسه فجعلها تتخبط في ديجورها، وتسترسل في همومها، تقضي الليل ساهرة حائرة لا ...تستضيء بنور، ولا تهتدي إلى طريق.
هدأت الأصوات في بطحاء مكة، وهجعت العيون، ولكن عين أبي طالب يقظى لا يخالطها الوسن.
كانت خواطره المبرحة تثور في نفسه كلما رأى أم الأشبال فاطمة بنت أسد أمام ناظريه قد فاجأها المخاض، واعتراها الأعسار وشدة الطلق. وكانت عواطفه الفياضة تأبى عليه أن يرتاح أو يطمئن إلى مضجع، ولكنه ماذا يصنع وليس له من الأمر شيء وإنما الأمر كله بيد الله عز وجل.
فكر أبو طالب في الأمر طويلاً فأعياه الفكر ولكن بارقة من الأمل المعسول التمعت في ذهنه بددت تلك الهموم.
إن أبا طالب كان شديد الإخلاص لله قوي الإيمان به، وحري بمن كان بهذه الصفة أن يتقدم إليه بحاجاته، وأن يلجأ إليه مهماته، وهذا هو الذي حدا الشيخ الجليل بأن يتوسل في البيت الحرام فأخذ بيد فاطمة وجاء إلى الكعبة فدخل بها ثم رجع أدراجه مرتاح الضمير معتقداً كل الاعتقاد بعطف الله وحنانه.
أما فاطمة بنت أسد فقد ابتهلت إلى الله عز وجل بكلمات ملؤها الإيمان بعظمة الله وكتبه راجية منه أن يسهل ولادتها. وييسر لها ما تعسر من أمرها فقد تمسكت بأستار الكعبة وأنشأت تقول "ربي إني مؤمنة بك، وبما جاء من عندك من رسل وكتب، وإني مصدقة بكلام جدي إبراهيم الخليل وإنه بنى البيت العتيق، فبحق الذي بنى هذا البيت، وبحث المولود الذي في بطني لما يسرت علي ولادتي".
أجل لقد من الله علي أبي طالب بأن يولد هذا المولود بأبرك يوم من أشرف شهر في أقدس بقعة، فقد ولد يوم الجمعة الثالث عشر من شهر رجب داخل بيت الله الحرام فطبق نوره الأصقاع، وعم كافة الأرجاء.
استقبل أبو طالب يوم الجمعة الأغر بالطلاقة والبشر ذلك أنه ولد له فيه ذلك المولود السعيد الذي كان ينتظره بفارغ الصبر، فهب مسرعاً يهرول نحو البيت منادياً (أيها الناس ولد في الكعبة ولي الله عز وجل) يواجه الناس بهذه البشارة السارة لأنه كان يعتقد أن علياً جاء للناس كافة.
سار يعدو نحو البيت، وتبعه على الأثر الصادق الأمين صلى الله عليه وسلم وآله فدخل البين وأخذ علياً فكبر في أذنيه ثم احتضنه وضمه إلى صدره وسار به-ووراءه أبو طالب وفاطمة.
وحول هذه السيرة الكريمة جاءت هذه الصفحات مستوحية أسراره ومستعرضة أخباره، ومقلبة صفحات ناصعة من جهاده اللامع، وتأريخه الساطع المزدحم بالعلم والأدب والحكمة، والزاخر بالمجد والعبر والعظمة، والطافح بالأقوال السامية والأعمال الخالدة. وما أحوج الأمة الإسلامية اليوم إلى درس مثل هذه الشخصية العظيمة التي خدمت الإسلام والمسلمين خدمات جليلة يحمدها الله تعالى في كتابه، ويشكرها الرسول الكريم من سنته ويرتل المسلمون آراءها معجبين مكبرين. إقرأ المزيد