تاريخ النشر: 01/12/2004
الناشر: مركز باحث للدراسات
نبذة نيل وفرات:مما لا شك فيه أن غياب الرئيس ياسر عرفات، قد ترك وبك شك آثاراً واضحة على مسار الصراع مع المشروع الصهيوني فوق أرض فلسطين. وبالتالي لتعيش فلسطين وشعبها مرحلة انتقالية تتشكل خلالها ملامح مرحلة جديدة من مراحل هذا الصراع. فقد جمع الرئيس الراحل بشخصيته زعامة حركة فتح، وقيادة الثورة ...الفلسطينية، ورئاسة اللجنة التنفيذية والسلطة الفلسطينية وصولاً إلى ثلاثين مسؤولية كان يتولاها بقدرات استثنائية حاول البعض أن يرفعها إلى مستوى الأسطورة. كان عرفات يرفض المؤسسات، فكانت الأجهزة بديلاً عنها، كان مولعاُ بالتمسك المطلق بالصلاحيات والسلطات، ويسعى لإقامة صلات مباشرة مع كادر الحركة وأعضائها، ولكي لا نظلم الرئيس عرفات، فإن فكرة الزعيم الأوحد ليست مقتصرة على شخصية ياسر عرفات، هي ليست أمراً شاذاً، ويمكن الجزم أنها شيء من تراث حركات التحرر الوطني وفق صيغ عمل القرن العشرين، وفي القلب منها صيغة "المركزية الديموقراطية" التي أتبعت بمقولة "نفذ ثم اعتراض".
أسباب كثيرة لا مجال لسردها في هذه العجالة شكلت ظاهرة يمكن أن نطلق عليها بوضوح "العرفاتية".
ويمكن القول: إن الراحل "ياسر عرفات" من أكثر من تعرضوا للنقد والانتقاد نتيجة لأخطاء وخطايا قام بها. كما أنه من بين الزعماء الأكثر شعبية في بلده الصغير-فلسطين ولدى أبناء أمته العربية والإسلامية، حيث إنه فرض حضوره على مدار أربعين عاماً على كل التيارات والاتجاهات، بين مؤيد وناقد ومستفيد متزلف!
لقد حاول عرفات أن يستمر في لعب دور الثوار العاملين لمواجهة ظلم الواقع، والواقعيين الذين لا يرون مناصاً من التكيف مع الواقع والاستكانة لما يمكن أن يفرزه، في الوقت عينه!
أراد صناعة مقاومة وطنية قطرية، على أن تكون حاضنتها ودعامتها من العرب والمسلمين وأحرار العالم. في ما كان يردد مقولة "يا وحدنا" ويعمل على تكريسها متجاهلاً طبيعة قضيته التي لا يمكن لها أن تنتصر إلا إذا كانت قضية وطنية عربية إسلامية تعني كل أحرار العالم.
لقد كان ياسر عرفات قائداً تكتيكياً بامتياز، ينتقل من تكتيك إلى آخر بحيث لا يرى الآخرون نهاية استراتيجية لتلك التكتيكات. كان مناوراً من الدرجة الأولى، ولكن في ظل تساؤل كان يطرح باستمرار: هل هناك من خطط وأهداف لتلك المناورات، أن من كان عليه أن يصنع الاستراتيجيات والخطط هي مؤسسات بحثية لم تكن موجودة، رغم إنشاء مراكز بدأت بدايات جيدة ولكن الجميع يعرف إلى أين وصلت. ولكن، أليس هذا واقع الساحة الفلسطينية بكليتها، بل والساحات العربية بجلّها إلا ما رحم ربي؟؟
لقد حوّل عرفات في أحلامه، بما اصطدم مع آمال وأحلام قسم كبير من أبناء شعبه.. ولكنه عندما تيقن أن قبوله بتقليص تلك الأحلام والآمال والرضا بالحد الأدنى منها أي 22% من أرض فلسطين لن يشفع له أمام الأعداء، ولن يؤمن له دولة ذات سيادة على جزء يسير من أرض فلسطين، "انتفض" ووقف رافضاً إلغاء كامل حلمه، محاولاً الحفاظ على شيء منه، فأصبح عند الأعداء وأعوان الأعداء من "الرخويات" التي تبحث عن مصالحها الخاصة ولو على حساب مصلحة شعبها، عقبة كبرى لا بد من إزالتها.
لكن يبقى التاريخ وحده في النهاية شاهداً وحكماً عدلاً على شخصية مثل "ياسر عرفات" شغلت الدنيا والناس في حياتها ومماتها.
هذه الشخصية الظاهرة والظروف التي نشأت فيها، وهي ما سيتم التحدث عنه بشيء من الإيجاز في هذه الدراسة التي بين أيدينا والتي جاءت لتفعل القول ولتحلل الظاهر العرفاتية وما بعدها. كما وسيتم التحدث فهيا عن المسؤوليات الأساسية "لعرفات" ووضعها القيادي الراهن بعد غيابه، هذا إلى جانب التطرق للأسماء المطروحة لخلف الرئيس عرفات، كما وسيتم التوقف عند السيناريوهات المطروحة، لا سيما السيناريو الأمريكي-الصهيوني، ومطالب "إسرائيل" من خليفة عرفات العتيد. إقرأ المزيد