تاريخ النشر: 01/09/2004
الناشر: مؤسسة الإنتشار العربي
نبذة نيل وفرات:لعل تعبير اليقين من التعبيرات الشاملة عند الصوفية، ولا يخلو مرجع أو مصدر من مصادر التصوف من الإشارة إليه من قريب أو من بعيد. بل يشيع هذا المصطلح أو هذا التعبير عند العامة وحتى عند من ليس لهم أدنى معرفة بالتفكير الصوفي، أو الفلسفي، أو العلمي. وقد يدخل هذا ...التعبير عند هؤلاء ضمن صياغات أو تعبيرات أخرى مثل: الإخلاص، والعلم، والإيمان، وغير ذلك.
وربما شاع واشتهر المعنى اللغوي لليقين دون غيره من المعاني على الألسن واختلط وأخذ دلالات أهمها استقرار الشيء في النفس لدرجة يصعب الشك حول هذا الشيء، وهذا المعنى هو متسرب من خلال معناه اللغوي: العلم، وإزاحة الشك، وتحقيق الأمر. وعنى معنى اليقين يقول "أبو زكريا الأنصاري في منتخباته: "اليقين يملأ القلب فوراً، أي يصير القلب به على بصيرة من الأمور. بحيث يصير به المعلوم مشاهداً أو كالمشاهد بارتفاع الحجب الجسمانية وامتناع العلائق الطبيعية".
أما اليقين عند ابن عربي؛ فإن المرء يقف طويلاً ليرى ماذا فعل ابن عربي بهذا المصطلح الشائع في التصوف؟ وماذا سيضيف إليه؟ وهل سيمر عليه مرور الكرام، أم سيتوقف عنده ويدلي بدلوه؛ شأنه في ذلك شأن الكبار من العباقرة الذين لا يمرون مرور الكرام على شيء حتى يضيفوا إليه من عندهم أشياء تكسبه وضوحاً ودلالات متجددة.
وهذا ما سيطلع عليه القارئ بالإضافة إلى مسائل أخرى متعلقة بالفكر الصوفي عند ابن عربي وذلك من خلال تجواله الفكري في رسائل ابن عربي المتضمنة كتاب اليقين وكتاب المعرفة وكتاب عنقاء مغرب في ختم الأولياء وشمس المغرب.
هذا ويعدّ كتاب اليقين من الكتب الهامة التي قدمها محيي الدين بن عربي، وتظهر أهميته في وضوح رؤيته وامتلاكه ناصيةً هامة من نواحي التنظير والتحقيق سواء من الجانب الفلسفي أو الصوفي. وبالرغم من هذا العمق وهذا التنظير إلا أن الكتاب واضح وضوحاً جلياً لدرجة تجعل من لا عهد له بقراءة كتب ابن عربي الاقتراب من هذا الكتاب، حيث يجد القارئ ابن عربي واضحاً وضوحاً جلياً ثم يستغلق عليه في كثير من الأمور، ثم يرمز، ثم يعبر تعبيراً ميسوراً... وبين هذه الانتقالات يتعرف على طبيعته، ومنهجه في التأليف. أما بالنسبة لعملية التحقيق، فقد قام المحقق بتقديم دراسة لهذه الرسالة الصوفية، ثم عند ابن عربي بعد ذلك، ملحقاً من ثم نصوصاً هامة بمقام اليقين لابن عربي أيضاً من كتابه (الفتوحات المكية) وهي الأبواب (122، 123، 269) لما في ذلك من أهمية للباحث والقارئ على السواء. إقرأ المزيد