اليابان والخليج ؛ استراتيجية العلاقات والمشروع النهضوي
(0)    
المرتبة: 45,636
تاريخ النشر: 01/07/2004
الناشر: المؤسسة العربية للدراسات والنشر
نبذة نيل وفرات:هناك أكثر من عامل دفع الباحثة إلى الاهتمام بدراسة العلاقات العربية اليابانية، و السياسة الخارجية اليابانية إزاء العالم العربي عامة، والخليج بشكل خاص، ولعل في مقدمة تلك العوامل الأهمية التي تحتلها اليابان، ففي عالم اليوم لم تعد اليابان مجرد قوة كبرى، فكل المقاييس الإحصائية والتكنولوجية والاقتصادية تؤكد أنها أصبحت ...تقترب حثيثا من مكانة القوى العظمى.
أيضاً فإن الحاجة ماسة لمثل هذه الدراسة، وفي هذا التوقيت بالذات انطلاقاً من عدة اعتبارات، ليس أقلها أن تشريح تجربة التحديث اليابانية بإيجابياتها وسلبياتها، يمكن أن تكون منارة يهتدي بها أولئك الباحثون عن مشروع نهضوي عربي متكامل يحقق التطور المنشود ويحافظ في الوقت ذاته على مقومات الهوية والثقافة.
وتنطلق أهمية هذا البحث كذلك من أن العالم الذي يبدو أنه أحادي القطبية، وفي ظل القوى الصاعدة إلى جانب الولايات المتحدة، ف‘ن اليابان مرشحة لدور يتناسب مع قوتها في نظام عالمي جديد يتسم بتعدد الأقطاب، وفي هذه الحالة لن تكون الولايات المتحدة الأميركية هي المهيمن الوحيد على منطقة الخليج، وإنما هناك قوى دولية أخرى قد تشاركها هذا التنافس على المنطقة، ومن ثم فإن إلقاء الضوء على منظور الاستراتيجي للعلاقات اليابانية الخليجية، هو أمر مهم للغاية.
ومن بين العوامل أيضاً التي حثت الباحثة على أن تدلي دلوها في هذا المضمار، محدودية الدراسات العربية والخليجية حول موضوع الدراسة في الوقت الذي أفردت فيه هذه الدراسات صفحات مطولة لتحليل العلاقات اليابانية، في محيطها الإقليمي الأسيوي أو في علاقاتها بالولايات المتحدة والقوى الكبرى. ومهما يكن الحال فإن التغيرات المتلاحقة والتطورات المتسارعة التي هي سمة العصر، ما لبثت أن فرضت نفسها على الساحة العالمية مع بداية الألفية الثالثة، وتحديداً عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، والتي أثرت بتطور جديد في التاريخ الحديث ربما أهم ملامحه هو بزوغ نظام دولي قائم على القطبية الواحدة بزعامة الولايات المتحدة الأميركية.
ومن الطبيعي أن مثل تلك التغيرات، تفرض نفسها على اليابان لتعيد صياغة توجهاتها السياسية، وحساباتها، وعلاقاتها بمختلف القوى السياسية في عالمنا المعاصر وما يهمنا في هذا الصدد هو تناول أبعاد هذه العلاقات عربياً وخليجياً. ومن العسير تفهم طبيعة السياسة الخارجية اليابانية، وعملية صنع القرار فيما يتعلق بالعلاقات اليابانية العربية عموماً والخليجية خصوصاً، دون أن تتعمق الدراسة لتغوص في أعماق تجربة التحديث اليابانية بمداخلاتها ومخرجاتها وجذورها التاريخية وآفاقها المستقبلية، انطلاقاً من حس وطني، خاصة وأن السياسة الخارجية لبلد ما هي إلا انعكاس وامتداد طبيعي لواقع معاش يخضع لخصوصيات تاريخية وثقافية.
كما أنه لا يمكن بحال إدراك كنة السياسة الخارجية اليابانية وأبعادها إزاء الشرق الأوسط عموماً أو تجاه الخليج خاصة، إلا من خلال فهمها في إطار النظام الدولي وتطوراته منذ الحرب العالمية الثانية. بل إنه من الضروري بصورة خاصة إلقاء الضوء على المحددات التي تحكم توجهات سياسة اليابان الخارجية والقيود التي تعمل في إطارها هذه السياسة منذ هزيمة اليابان التاريخية على يد القوات الأمريكية عام 1945، مع عدم إغفال تناول الجانب التاريخي لهذه السياسة التي كانت لها أطماع استعمارية ما زالت تعقيداتها ورواسبها تنعكس على علاقات اليابان بحوارها الإقليمي.
علاوة على ذلك تم تحديد الأدوات التي تحكم أسلوب صانعي القرار في السياسة الخارجية اليابانية، وبعد عرض القيود والمحددات تمت مناقشة وتحليل سياسات اليابان، في أبعادها السياسية والاقتصادية والثقافية تجاه الدول العربية ودول الخليج في الفترة موضوع الدراسة والإشكاليات المطروحة خلال المناقشة والتحليل على ضوء ذلك، هي: ما هو المحدد الأساسي الذي يلعب الدور الحاسم في تشكيل السياسة الخارجية اليابانية إزاء المنطقة العربية، وتجاه دول مجلس التعاون الخليجي؟ وما هي الأدوات التي استخدمها صناع السياسة اليابانية الخارجية في هذا الخصوص؟، وما هي القيود التي في إطارها تمت صياغة وتطبيق السياسة الخارجية اليابانية إزاء الخليج العربي؟
ثم ما هي الآليات الدافعة لتوجهات هذه السياسة والأهداف المتوخاة منها فيما يتعلق بالعالم العربي ومنطقة الخليج؟، وهل هي مجرد أهداف وآليات اقتصادية بحتة أمن تجاوزت ذلك في مرحلة من المراحل، لتصبح نوعاً من العلاقات المتعددة البعاد ثقافياً واجتماعياً وسياسياً واقتصادياً؟ وهل يمكن وصف تلك العلاقات بالسمة الاستراتيجية خاصة وأن السياسة الخارجية اليابانية ما برحت تدور في فلك السياسة الخارجية الأمريكية، بل وأن بعض الدول العربية والخليجية ما فتئت تخضع لهيمنة السياسة الأمريكية في المنطقة؟ إذن ما هو حجم الدور الفعلي للسياسة الخارجية اليابانية في القضايا العربية والخليجية؟ وما هي العوامل التي تحدد الأداء التصويتي لليابان في المنظمة الدولية بخصوص هذه القضايا؟ وما مدى التغير ونوعيته في هذا السلوك على مر السنوات؟
ويظل السؤال المحير قائماً: كيف يجسر العملاق الياباني الفجوة بين مقدرته الاقتصادية والتكنولوجية الهائلة وأدائه السياسي ودوره على الصعيدين الإقليمي والدولي؟ هل سيظل بوضعه الحالي يعيش حالة التناقض بين كونه قوة اقتصادية ضخمة ومجرد قزم عسكري، وبالتالي سياسي على المستوى العالمي؟ أم أنه سيملك إن آجلاً أو عاجلاً إعادة النظر في علاقاته مع الولايات المتحدة بشكل يمكنه من الانطلاق لممارسة دور يتناسب مع حجمه وإمكانياته كقوة كبرى إن لم تكن عظمى؟
وعلى فرض حدوث ذلك فإن السؤال المطروح هو: هل تمتلك اليابان الأدوات المنهاجية لإعادة صياغة منظومة علاقاتها الدولية وتوجهات سياستها الخارجية تجاه مختلف القوى الإقليمية والدولية ومن بينها الدول العربية والخليجية، بما يرسم آفاق مستقبل ياباني جديد في عالم الغد؟
نحن إذن أمام دراسة من نوع خاص هي أشبه بسلسلة متكاملة الحلقات كل منها يشكل مقدمة ونتيجة في آن واحد, ومن خلال فصول الدراسة ومباحثها ومطالبها، تم تحليل أبعاد عملية التنمية المستدامة المتفردة وأسرارها في بلد لا يكاد يملك أي مقوم طبيعي أو جغرافي أو استراتيجي وهو ما يتطلب الخوض في غمار تجربة التحديث اليابانية، بذورها التاريخية وإشكالياتها وطموحاتها، كمقدمة لا مناص عنها للتعرف على آليات وأهداف السياسة الخارجية اليابانية وقيودها وأدواتها وأبعادها سياسياً واقتصادياً وثقافياً وقدرات اليابان العسكرية في ضوء محددات الدستور الياباني. فضلاً عن خصوصية العلاقة اليابانية الأمريكية وعلاقات اليابان بمحيطها الإقليمي الآسيوي، وكيف أن بلداً بهذه القوة يرضى لنفسه هذا الوضع المتدني فيطلب من الولايات المتحدة الأمن والأمان ويستجديها لتقوم بدلاً عنه في مواجهة التهديات الكورية وضرب بيانع يانغ إذا ما لزم الأمر؟
وتعرج الدراسة إلى بحث آليات التقارب والتباعد بين اليابان والدول العربية والخليجية والصورة المتبادلة بين الجانبين، ثم تعرض لرصد وتحليل السياسة الخارجية اليابانية من حيث الممارسة العملية إزاء المنطقة العربية والشرق الأوسط عموماً بما في ذلك العلاقات اليابانية الإسرائيلية والتي ترصدها الدراسة عبر رسم وتصميم صورة إحصائية للأداء التصويتي لليابان تجاه الصراع العربي-الصهيوني، وكذلك ترصد الدراسة طبيعة العلاقات القائمة بين اليابان ودول الخليج العربية وتحديداً دول مجلس الخليجي، موقفاً، وتوجهاً، وسلوكاً في مختلف المراحل التي تشملها الحقبة الزمنية لموضوع البحث (1945-2003) بما في ذلك أبعادها الثقافية والاقتصادية. إقرأ المزيد