تاريخ النشر: 01/01/1999
الناشر: مؤسسة العارف للمطبوعات
نبذة نيل وفرات:للتشريع الإسلامي سمة مهمة وهي ثباته في أحكامه الأولية التي لا تعدّ مطلقة؛ فما من مطلق إلا وقيّد، وما مقيّد إلا وأطلق، فما يوائم بين الواقع والنص بتحريك الثاني في مجالات تلبية احتياجات الأول لا ليسفّ بإسفافه، ولكن ليقنن له حركته المنضبطة بضوابط الشرع فعلاً وتركاً، الأمر الذي ترك ...لجمهور المجتهدين أن ينقّلوا خطواتهم الفقهية بين الأوليّ والثانوي من الأحكام في عملية مواكبة للتطورات والمستجدات، أو ما يصطلح عليه بـ(الجانب المتخيل) في قبال الأحكام الأولية التي تمثل (الجانب الثابت) من الشريعة؛ وإلا كان باب الاجتهاد قد أغلق منذ وقت مبكر، وبقي الناس يتخبطون محلّلين ومحرمين كما يشاؤون لا كما يشاء الشارع المقدّس. يضاف إلى ذلك يسر الشريعة وسهولتها في التطبيق، فيما أوحى به الله تعالى لنبيه الكريم صلى الله عليه وسلم.
أما هدف الشريعة من كل ما جاءت به؛ فهو غرس حالة (التقوى) في النفس الإنسانية المؤمنة، فليس ثمة تشريع مطلوب لذاته،. فاتباع هذه الشريعة، كلها كاملة غير منقوصة ولا مجتزأة، يحظى المؤمن بسعادة الدارين، وكيف لا يكون سعيداً من يتقي الله في أفعاله وتروكه؟! وإذا كانت الأحكام كلها مستنبطة من أدلتها، فما من حكم أو فتوى يفتي بها فقيه إلا وتسند على مبنىً معين، فإن الأحكام ليست كلها معللة، فقد يُستغرب (الفعل) في أمر أو (الترك) في نهي، والمسلم لا يملك، كمقلد، إلا أن يتمثل إليه طاعة وقربة إلى الله تعالى، وإلا لما كانت هناك حاجة للرجوع إلى العلماء الفقهاء لاستنباط أحكام الله، أو لانْتَفَتْ مسألة التقليد من أساسها إذا كان يحلو للمقلد أن يأخذ ما يوافق مزاجه ويترك ما لا يوافقه.
من كل ما تقدم جاءت فكرة هذا الكتاب الذي يعدّ محاولة لفتح الشريعة، وهي في الأساس مفتوحة، على العديد من مناهج ومناحي الحياة، فليس في الحياة ما لا يطاله الفقه، وإلا حكم على الشريعة بالعجز والقصور، وهي بخلاف ذلك. والكتاب إلى ذلك دعوة مفتوحة لاستجلاء الرأي الفقهي في جوانب الحياة كلها إن من جانب المقلدين أو من جانب الفقهاء الذين لم يُدْرِجوا أمثال هذه المسائل في متون رسائلهم وإنما نشروها في ملاحق أو كراسات لم تلحق بالرسالة الأم حتى بعد طباعتها.
أما المنهجية المتبعة في الآراء الفقهية الواردة في هذا الكتاب، فهي بعيدة عن الطريقة التقليدية في تبيان الرأي الفقهي في المسألة فيما هو الإيجاز المقتضب في الردّ بأن هذا حلال وذاك حرام، ليقدًّم للقارئ ثقافة فقهية وذلك من خلال الحوار للوقوف على بعض مباني الأحكام وأدلتها التفصيلية التي أفاض فيها سماحة الإمام محمد حسين فضل الله، خاصة تلك التي توصف بأنها لم تساير الرأي المشهور. إقرأ المزيد