مدينة على جبل؟ عن الدين والسياسة في أميركا
(0)    
المرتبة: 40,537
تاريخ النشر: 01/03/2004
الناشر: دار النهار للنشر
نبذة نيل وفرات:كثيراً ما استعار المتدينون في الولايات المتحدة، بدءاً من القرن السابع عشر، لغة الكتاب المقدس لدى روايتهم قصة أمريكا وحديثهم عن "رسالتها" بين الأمم. ومنذ استيطان المهاجرين الأوروبيين الأوائل شاطئ "العالم الجديد" الشرقي إلى اليوم، يتكرر القول، بصيغ ونبرات مختلفة، أن أميركا بمثابة "أمة مختارة" لها دعوة بيّنة وهي ...تسير إلى مصيرها برعاية الله. ويستعين هذا القول بصور من العهد القديم مثل "أرض الميعاد" في سفر الخروج، وأخرى من العهد الجديد مثل "مدينة على جبل" التي ورد ذكرها في عظة يسوع المسيح الكبرى، حسب إنجيل متى القائل: "أنتم نور العالم لا تخفى مدينة موضوعة على جبل ولا يوقد سراج ويوضع تحت المكيال بل على المنارة فيضيء لجميع الذين في البيت". هناك إحساس قوي بالنسبة للأمريكيين بفرادة أميركا ونموذجيتها، تعززه المشاعر الدينية التي تثيرها عبارة "مدينة على جبل" في نفوس من يحسبون أن النص يخاطبهم كمسيحيين وكأميركيين في آن واحد.
ضمن هذا الإطار تأتي الدراسة في هذا الكتاب عن الدين والسياسة في أميركا وهي تنطلق من الجذور "العقائدية" المسيحية لتأسيس أميركا ونظامها، متجهة في معارج تحليل معمّق لمراحل الصحوة الدينية في أميركا مدرسة بعد مدرسة، من غير التقيد حكماً بالتسلسل الزمن.
وتتناول الدراسة مواقف الأميركيين، لا من تكوينهم الديني فحسب، بل من الجماعات الأخرى التي تعاملوا معها أو هي انضمت إلى الجسم الأميركي أو نشأت من ضمنه. وتنتهي الدراسة، عبر فصولها الخمسة، إلى الإحاطة بالواقع الحالي وبالتطلعات المعاصرة وفاعلية النظرية الدينية الأميركية في فهم العالم والتصرف حياله. وبديهي أن تشكل النظرة "الماسيانية" (الترقبية) محلّها المركزي في هذا البحث، خصوصاً في ضوء تزايد الآخذين بها، واحتلالها موقع الصدارة في التأثير على سياسة الرئيس جورج دبليو بوش، والحلقة الحميمة من مستشاريه ومساعديه، في البيت الأبيض وخارجه، ومفسري نهجه ومفلسفيه.
هذا وإن موقف الدكتور طارق متري من هذا التطور الخطير في السياسة الأميركية لن يفاجئ القارئ، إذ كان قد صار معروفاً عبر مقالاته وبياناته وتصريحاته بوصفه الناطق بلسان مجلس الكنائس العالمي، خلال التطورات التي تلت عدوان الحادي عشر من أيلول/سبتمبر، وبرز في تمثيله المجلس خلال قيادة المعارضة المسيحية لحرب العراق التي أيّدها الفاتيكان بمواقف بابوية شديدة اللهجة عميقة التجذر في الرسالة المسيحية. وإذا كان الحوار المسيحي-الإسلامي الذي انطلق من هذه المواقف لم يمنع الحرب، فحسب الأثر العميق الذي تبرز أهميته التاريخية والتأثير المرتقب على مستقبل الفكر الإنساني في السياسة والتكوّن الاجتماعي ومستقبل ما كان يوصف، زوراً، بصراع الحضارات وهو هذا الموقف بالذات الذي أسقط الادعاء، الناشئ من خطأ لعلّه بلغ شاطئ الخطيئة، بأن حرب أميركا على العراق وانطلاقاً منه إنما هي "صليبية" جديدة. في ظلمات المناقشات التائهة انطلاقاً من الأزمة العالمية الحاضرة ومضاعفاتها يأتي هذا الكتاب الذي سيكون الباب الفسيح لولوج المعرفة الحقّة التي تجمع، صافية هادئة، إلى العقلانية الفلسفية، تعمّقاً في التحليل الواقعي للتاريخ يندر أن تجاريه منهجية علمية أخرى. إقرأ المزيد