بيان في لغة اللاهوت - لغز الطوارق يكشف - المقدمة في ناموس العقل البدئي ج4
(0)    
المرتبة: 38,245
تاريخ النشر: 01/11/2002
الناشر: شركة الملتقى للطباعة والنشر
توفر الكتاب: نافـد (بإمكانك إضافته إلى عربة التسوق وسنبذل جهدنا لتأمينه)
نبذة نيل وفرات:اللغة المجهولة التي يتحدث عنها ولس بدج في "ديانة المصريين"، ومن بعده شبنغلر في "غروب الغرب"، ما هي إلا تلك اللغة التي يطلق عليها علماء اللسانيات صفة "اللغة ذات المقطع الواحد" أي الحرف الساكن الواحد الذي إذا أضفنا له حروف العلّة كشف لنا عن مدلول كامل. وبرغم إخفاق العلماء ...في اكتشاف هذه اللغة الخفية عملياً، إلا أن إخفاقهم لم ينل من يقينهم، فمضوا يؤكدون على وجودها، أملاً في أن تهرع لنجدتهم المصادفة، بعد أن أعيتهم الحيلة، كما هرعت المصادفة دائماً لإثبات حقائق علمية حام حولها المريديون طويلاً قبل أن يعرفوا اليأس. وكما كان الحال مع سجيّة الحقيقة في الماضي، كذلك هو الحال مع حقيقة اللغة البدئية اليوم كجذر لكل اللغات. فالحقيقة تسعصي لا بسبب عسر طبيعتها، ولكن ليسر سليقتها بالذات. في ذلك يكمن سرّ استعسارها على من عاندها عناد الأبطال، في حين تستسلم للمصادفة، أو للعقل الذي استدرجها ذلك الاستدراج الذي نسميه في لغتنا وحياً أو إلهاماً. فالحقيقة سجيّة بسيطة، والسجيّة البسيطة مبدأ في متناول اليد، وبعداً في متناول اليد يثير استخفافنا فلا ننتبه لحقيقة ولا نرى فيه الجوهر، فنضيّع، نتيجة لهذا الاستهتار، أو الاستكبار، الأثر، ونفقد السبيل إلى أعظم الكنوز الروحية شأناً. ويبدو أن لغة الطوارق قد خضعت لهذه التجربة أيضاً. فقد قام حولها العلماء طويلاً، واستنطقها أهل اللغة مراراً، واستعان بها الكثيرون في فك طلاسم اللغة النوميدية والليبية القديمة (كما فعل مارسي مع ما عرف بخجر ماسينسّا)، وأخضعها آخرون لتحليلات وتأويلات سخية (كما فعل روسلو وفيغرييه ودولفويولسكي وغيرهم)، وبلغ بها الاهتمام في نهاية القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين حدّاً دفع الأب دي فوكو إلى التضحية بالرخاء والذهاب للإقامة في الصحراء الكبرى ليضع أول معجم للغة الطوارق قبل أن يدفع حياتها أخيراً ثمناً لهذا المعجم.
ولكن لا معجم الأب فوكو، ولا أبحاث مارسي أو روسلو أو غيرهم، ولا دراسات أولئك العلماء الذين وجدوا بينها وبين لغة مصر القديمة صلة، استطاعوا أن يضعوا أيديهم على حقيقة هذه اللغة كمفتاح للسان العالمي في بعده الديني. وعلّة هذا الاغتراب ليست غاية البحث الذي أعدّه إبراهيم الكوني في كتابه هذا، وإنما غايته طبيعة هذه السواكن التي حملت سرّ الألسن على مرّ ألوف الأعوام. وعلّ بساطة اللغة البدئية (لسان ما يعرف اليوم بالطوارق) هي سر تفوقها الذي مكّنها من إماطة اللثام عن الكنوز المنسية في لغات العالم الكبرى. هذه البساطة التي تتجلى في الأساس في استخدام الحرف الساكن الواحد ككلمة تحمل مدلولاً محدداً بإضافة الحروف المتحركة معتبرة السواكن أجساداً، أو أجراماً، أو قماقم مرئية لمبادئ خفية تلعب فيها حروف العلة دور الروح للجسد المتمثل في الحرف الساكن. وقد اعتمدت هذه اللعبة كل لغات العالم حتى أن فقهاء اللغات لم يجدوا حرجاً في أن يسنّوا الناموس الذي لا يعترف بغير السواكن حروفاً، ويدفع بحروف العلّة إلى المنفى عند إخضاع أي كلمة لمحك التحليل.
ويبدو أن حداثة العقل القديم بالتجربة الوجودية هي التي أملت عليه الاحتكام إلى المبدأ الحسي، واعتماده كمقياس احتفر منه الاسم في مجاله المجرد مما ألقى بظله على جلّ التعابير البدئية وحوّلها في اللغات إلى مصطلحات كما كشف عنه إبراهيم الكوني في الأجزاء الثلاثة السابقة من سلسلة "بيان في لغة اللاهوت، لغز الطوارق يكشف لغزي الفراعنة وسومر كما سيكشف عنه في سياق هذه الجزء والأجزاء التالية. إقرأ المزيد