تاريخ النشر: 01/01/2020
الناشر: كليوباترا للنشر والتوزيع
نبذة الناشر:التاريخ يكتبه المُنتصرون كثيراً ما تتردد تلك العبارة على مَسامِع من يلِج بقلبه وعقله ذلك العالم القديم، كي يعودَ به الزَّمانُ إلى دنيا الأولين، مُستجمعًا كامل شجاعته وهو قابضٌ بكل ما أُوتِيَ من قوةٍ على دفتي قاربه الصغير، كي ينجو من أمواج البحر الهائج المُظلم لهذا العالم المَليئ بالقصص والحكايات ...والوقائع والأساطير، فيحاول - وهو في خضم صِراعاته الفكرية بين ما هو واقعي وما هو خيالي- أن يلتقط معلومةً من هنا، أو أن يتعرف على أخرى من هناك، مُمَنِّيًا نفسه في النهاية بالوصول إلى حقيقة ما حدث في ذلك الزمان البعيد، وليقف بعد كل هذا العناء الطويل على أرضٍ صلبة، وقد حَظى بالكنز الحقيقي من وراء تلك المُغامرة المَعرِفِيَّة، وهذا الكنزُ بالطبع ليس ذهبًا أو ياقوتًا أو مَرجانًا، بل هو كنز الحقيقة.. حقيقة الماضي وما حدث فيه.
وعبارة ( التاريخ يكتبه المنتصرون ) لا تعني بكل تأكيد المعنى الحرفي لكلماتها.. فلا يُعقل أبدًا أن نتصوَّر أن المُنتصر - دون المُنهزم -
سيُمسك بالورقة والقلم كي يكتبَ التاريخ، فهذا التَّصور لا يقبله عقلٌ ولا منطق، ذلك أنَّ كِلا المنتصر والمنهزم وغيرهما كالرَّحَّالة والمُؤرخين والأدباء والكُتَّاب، جميعهم يكتب التاريخ.
هذا بالإضافة إلى أنَّ مصادر التاريخ كثيرة ومُتنوعة، فهناك الكتب، ونقوش الآثار، والبَرديات، ومُراسلات القادة والملوك والأمراء، وغيرها الكثير من المصادر التي يمكن لكل من يَطَّلع عليها أن يكتب التاريخ.
أما عن المعنى الحقيقي لعبارة (التاريخ يكتبه المنتصرون) هو أن رواية المنتصر للتاريخ تكون - في الغالب- هي الرواية الأكثر انتشارًا، ذلك لأنَّ المُنتصر دائمًا ما تستشعر في رواياته وكتاباته الفخر والاعتزاز بما حقَّقه من انتصارات على أعدائه، وكيف أنَّه كان أكثر ذكاءً منهم، وأن لديه من مُقوِّمات النصر ما استطاع أن يجيد استخدامها بشكل لم يفعله أحدٌ من قبله، فكان النصر حليفًا له، وأنَّه بنصره هذا سبق من سبقوه، ولن يلحق به مَن سيأتون مِن بعده، وأنه رغم قوة عدوِّه، إلاّ أنه استطاع إخضاعه لسيطرته في النهاية.
مثل هذه الحكايات يمكنها جذب القُرَّاء بشكل كبير، فطبيعة الإنسان تميل دائمًا إلى النجاح والتقدم في الحياة، والتغلُّب على كل ما يواجهها من مصاعب وأزمات، فترى النفسَ دائمًا تميلُ إلى التعرُّف على إنجازات السابقين والتعلُّم من خبراتهم، وكيف انتصروا وتقدموا وتطوروا رغم كل الصعوبات التي واجهوها، ورغم قساوة الظروف التي مروا بها.
وعلى العكس من ذلك رواية المُنهزمين، فلا تجد فيها إلا الأعذار، مُجرَّد أعذار يَسردُها كاتب تاريخ المنهزمين ليُبرِّر الهزيمة، فتارةً يكون العُذر هو خيانة داخلية تعرضوا لها، وتارةً يكون العُذر هو ضلال الحاكم وانصرافه عن الاهتمام بشؤون رعاياه، وانغماسه في ملذات الحكم والسلطة، وتارةً يكون العُذر هو الصراع على السلطة والاستعانة بالأعداء، مجرد أعذار واهية ومتكررة لا تُوصل في النهاية إلا إلى حقيقة واحد.. الهزيمة.
مثل تلك الحكايات ينصرف عنها. إقرأ المزيد