تاريخ النشر: 01/01/2008
الناشر: دار نهضة مصر للطباعة والنشر
نبذة الناشر:سأصحبك فى جولة بين آراء كبار الكتاب عن أسرار الفن ولحظات الإبداع, بعضها وارد فى رسائلهم إلى أصدقائهم, وبعضها مندس فى ثنايا أعملهم, ولكنها ليست من قبيل النظريات المجردة, بل كلها وليدة تجارب ذاتية, فهى تكشف عن فهم هؤلاء الكتاب لفنهم ومعاناتهم لمشاكله, واقتحامهم لمآزقه وفخاخه, والأهداف والمبادئ التى يترسمونها, ...كما تكشف من مزاج الفنان –لا الإنسان- فى أوقات فراغه وعمله, فى مضيه وتخبطه, فى صدقه وأوهامه, وفى سروره وأحزانه.
ولنر أولا كيف ينظر الفنان إلى عمله, وكيف يأخذ مأخذ الجد لا الاستهانة. استمع إلى جوزيف كونراد وهو يقول: "ينبغى أن تترك نفسك مفتحة لكل العواطف, (وهذا مطلب عسير) وأن تعتصرها لتستخرج منها كل ماتحتويه من إحساس أو فكر أو خيال. تفعيل ذلك بلا شفقة عليها, بلا تحفظ وبلا ندم. عليك ان تنقب فى أشد جوانب قلبك ظلاما, وفى أكثر أغوار عقلك عمقا, تنقب فيها لتنتزع منها الصورة المشرقة والعبارة الصادقة, وينبغى ان تخلص لعملك كل الإخلاص, مهما كلفك من ثمن, تفعيل هذا من اجل ان تشعر فى نهاية يوم عملك بإعياء شديد, نفسك خراب بعد ان أفرغت كل فكر, عقلك صفحة بيضاء وقلبك يهصره الوجع, لم يبق فى قرارة نفسك شئ قط, فهذه هى فى نظرى الوسيلة الوحيدة للتفوق, بل للاقتراب منه".
ننتقل بعد ذلك إلى هذه الوسوسة الغامضة التى يطلق عليها جوزا اسم الإلهام او الوحى. هناك من يهزأ بأسطورة هذا الوحى, ويجعل الدراسة الشاقة الشرط الأوحد لكل عمل كبير. استمع إلى جورج ميرديث وهو يقول فى رسالة إلى صديق: "إن خير القصص هى وليدة ذهن دارس, فإن كانت الدراسة الشاقة تقتل موهبتك الخلاقة, فثق أنك- والدنيا كلها كذلك- لم تخسر شيئا". وهناك من يؤمن بهذا الوحى, ولكنه يتقبله بحذر ويخضعه لإرادته, ولاينبفى أن تقوم بجانبه دراسة شاقة.
وهناك من يفسر هذا الوحى بأنه انسجام بين الفنان وجو يرتاح له. لاعجب أن نجد هذا الرأى عند امرأة رقيقة الإحساس هى كاترين مانسفيلد, فاستمع إليها وهى تقول لصديق فى رسالة لها من فرنسا: "المقهى ضيق دميم, على منصته كساء من الرخام الأسود, رسمت فوقه مستطيلات صغيرة تتناوب اللون الأبيض والبرتقالى. يجلس فيها سائقو السيارات مع زوجاتهم, ورجال منتفخون من فرط البدانة, يحملون آلات فوتوغرافية ضخمة, ويجوس خلال المناضد جرو نحيل لحوح وعلى النافذة من الخارج علم فرنسى قذر بال, ينفرد مع الريح ثم يئوب فيتخاذل ويلطم الزجاج, أتظن ياعزيزة أن شرب القهوة يسكر؟ فمالى إذن أحس كأننى مخمورة, وأننى قد ألزم هذا المقهى ثلاث سنين لا اتحول من مقعدى أدخن وأحتسى القهوة وأفكر وأرقب ندف الثلج وهى تتساقط من السماء؟
ثم انتبهت فأطبق على قلبى عالم من الصمت, وأنت تعرف أى صمت اعنى, إنه الصمت الذى يسبق بدقيقة واحدة رفع الستار, وحين أحسست بهذا الصمت يغمر قلبى أدركت أننى وجدت الإلهام من هذا المقهى وأننى سأكتب فيه". إقرأ المزيد